ما مَعْنىٰ {وَذَٰلِكَ دِيْنُ الْقَيِّمَةِ}؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

55- ما مَعْنىٰ
{وَذَٰلِكَ دِيْنُ الْقَيِّمَةِ} 
(الْبَيِّنَة: 5)؟
وما هو الْمُشَارُ إليه؟
مع التوضيح.

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَدَلِيلُ الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ*: قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء** وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ*** وَذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ****} (البَيِّنَة: 5) ).
قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* أيْ: وَدَليلُ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّهُمَا رُكْنَانِ مِنْ أَرْكَانِ الدِّيْنِ الْخَمْسَةِ الَّتِي لا يَسْتَقِيمُ إسْلامُ عَبْدٍ إلا بِهِمَا، وَكَذَا فِي الآيَةِ تَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ أَيْضًا، وَهُوَ الأَسَاسُ الَّذِي لا يَسْتَقِيمُ إسْلامُ عَبْدٍ إلا بِهِ.
** أي: وَمَا أُمِرَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلا لِيُوَحِّدُوا اللهَ وَيُفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ، حُنَفَاءَ مَائِلِينَ عَنِ الأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلَىٰ دِينِ الإِسْلامِ، قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: (مَا أُمِرُوا فِي التَّوْرَاةِ والإنْجِيلِ إلا بإخْلاصِ الْعِبَادَةِ للهِ مُوَحِّدِيْنَ)[1]، وَقَالَ تَعَالَىٰ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25)، وهٰذا هُوَ تَفْسِيرُ التَّوحِيدِ.
*** أي: يُقِيْمُوا الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ بِأَرْكَانِها وَوَاجِبَاتِهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ عِنْدَ مَحَلِّهَا، وَهٰذَا هُوَ دَليلُ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ، وَأَنَّهُمَا رُكْنَانِ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، لا يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِمَا، وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُهُمَا -تَعَالَىٰ- فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.
**** أي: الَّذِي أُمِرُوا بِهِ فِي هٰذِهِ الآيَة الْكَرِيمَةِ هُوَ الْمِلَّةُ وَالشَّرِيعَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ" اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص79 و80.

~~~~~~~~فائدة~~~~~~~~
في إضافةِ {القَيِّمَةِ} إلى الـ{دِيْنُ}
وَجْهُ ذٰلك:
1) أنّ العرب تضيف الشيءَ إلىٰ نَعْتِه.
وله أمثلةٌ في القرآن الكريم، منها هٰذا الموضع، ومنها: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} (يوسف: 109 والنحل: 30)، ومنها: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (ق: 9).
"قَالَ الْفَرَّاءُ: أَضَافَ الدِّينَ إِلَى الْقَيِّمَةِ وَهُوَ نَعْتُهُ؛ لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا: هُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَىٰ نَفْسِهِ".
وعليه؛ فالتاء في {القَيِّمَة} لِلمُبالغة، مثل: العلَّامة.
2) أو تكون كلمة {القَيِّمَة} نعتًا لمحذوفٍ تقديرُه:
المِلَّة، أو: الشَّريعة.
أو: الأُمَّة، أو: الفِرْقة.
"قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ ذٰلِكَ دِينُ الْمِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ. و{الْقَيِّمَةِ}: نَعْتٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ. أَوْ يُقَالُ: دِينُ الأُمَّةِ الْقَيِّمَةِ بِالْحَقِّ، أَيِ الْقَائِمَةِ بِالْحَقِّ... قَالَ الْخَلِيلُ: {الْقَيِّمَةِ}: جَمْعُ الْقَيِّمِ، وَالْقَيِّمُ وَالْقَائِمُ: وَاحِدٌ".
ويكون سببُ تأنيث { القَيِّمَة} أنها نعتٌ لمحذوفٍ مؤنثٍ (الملة).
هٰذا خلاصةُ ما وصلتُ إليه مِن "تفسير الطبري" (24/ 554، ط هجر)، و"تفسير البغوي" (8/ 496، ط 1412ﻫ، دار طيبة)، و"تفسير القرطبي" (10/ 284، ط 1، 1425ﻫ، المكتبة العصرية)، و"معاني القراءات" للعلامة الأزهري (1/ 351 و352، ط 1، 1412ﻫ، ب.ن)، و"إعراب القرآن" للحافظ الأصبهاني -قوام السُّنَّة- (540، ط1، 1415ﻫ، ب.ن). والله أعلم.
مغربَ يومِ الأربعاء 4 ربيع الأول 1434ﻫ.


[1] - "تفسير البغوي" (8/ 496، ط 1412ﻫ ، دار طيبة).