نوعُ المعيّةِ المذكورةِ في خاتمةِ سورةِ النّحل -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

70- ما نَوْعُ الْمَعِيَّةِ الْمَذْكُوْرَةِ في خاتمةِ سُورة النَّحل؟
وما مَعْناها؟

البيان
قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ:
(الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الإِحْسَانُ.
رُكْنٌ وَاحِدٌ.
وهُوَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (النّحل: 128) *).

قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* أَيْ: أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ عِبَادِهِ الَّذِينَ اتَّقَوْا الْمَنْهِيَّاتِ، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فِي الْعَمَلِ؛ يَحَفَظُهُمْ وَيَكْلَؤُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُمْ.
وَهٰذِهِ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ، وَمُقْتَضَاها مُقْتَضَى الْعَامَّةِ، وَتَقْتَضِي الْمِعًيَةُ الْخَاصَّةُ مَعَنًى زائِدًا بِحَسَبِ مَوَاطِنِهَا" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 91.

~~~ فوائد ~~~
مَعِيَّةُ اللهِ نَوْعَانِ Emoji
عَامَّةٌ
وَخَاصَّةٌ
وَهِيَ: مَعِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ
وَهِيَ مَعِيَّةُ الْقُرْبِ
وَكِلا الْمَعْنَيَيْنِ مُصَاحَبَةٌ مِنْهُ لِلْعَبْدِ.
لٰكِنَّ هٰذِهِ مُصَاحَبَةُ اطِّلاعٍ وَإِحَاطَةٍ.
وَهٰذِهِ مُصَاحَبَةُ مُوَالاةٍ وَنَصْرٍ وَإِعَانَةٍ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ (الحديد: 4)، وَقَوْلِهِ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا (المجادلة: 7).
كَقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (النَّحل: 128)، وَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة: 153)، وَقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 69).
فَـ (مَعَ) فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تُفِيدُ الصُّحْبَةَ اللَّائِقَةَ، لا تُشْعِرُ بِامْتِزَاجٍ، وَلا اخْتِلاطٍ، وَلا مُجَاوَرَةٍ، وَلا مُجَانَبَةٍ. فَمَنْ ظَنَّ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ هٰذَا؛ فَمِنْ سُوءِ فَهْمِهِ أُتِيَ.
Emoji مِن كلام الإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ، باختصارٍ وتصرُّف؛ "مدارج السالكين" (2/ 611 و612، ط 2، 1429 ﻫ، دار طيبة).

ومَعِيَّةُ اللهِ دَرَجَاتٌ
قال فضيلة العلَّامة العثيمين رَحِمَهُ اللهُ:
معيّةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تنقسم إلىٰ قسمين:
عامّة، وخاصّة.
والخاصّة تنقسم إلىٰ قسمين:
مقيَّدة بشخص، ومقيَّدة بوصْف.
أما العامّة: فهي التي تشمل كلَّ أحدٍ مِن مؤمنٍ وكافرٍ وبَرٍّ وفاجرٍ. ودليلها قولُه تَعَالَىٰ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ (الحديد: 4).
أمّا الخاصّة المقيَّدة بوصف: فمِثل قولِه تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (النحل: 128).
وأمّا الخاصّة المقيَّدة بشخص مُعيَّن: فمِثل قولِه تَعَالَىٰ عن نبيِّه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (التوبة: 40)، وقال لِموسىٰ وهارون: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ (طه: 46).
وهٰذه أخصُّ مِن المقيَّدةِ بوصف.
فالمعيَّةُ دَرَجات:
عامّة مُطْلَقة - وخاصّة مُقيَّدة بوصف - وخاصّة مُقيَّدة بشخص.
فأخصُّ أنواعِ المعيَّة:
ما قُيِّد بشخص.
ثم ما قُيِّد بوصف.
ثم ما كان عامًّا.
فالمعيّة العامّة تستلزم:
الإحاطةَ بالخَلْق عِلمًا وقُدرةً وسمعًا وبصرًا وسلطانًا، وغيرَ ذٰلك مِن معاني رُبوبيته.
والمعيّة الخاصّة بنَوعيها تستلزم مع ذٰلك:
النصرَ والتأييدَ" اﻫ مِن "مجموع فتاواه" (8/ 340 و341، ط2، 1417، دار الثريا).

الأربعاء 22 رمضان 1434