الأمر بذكر الله تعالى تدارُكًا للقصور ورفعًا للخلل

الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمَّا بعد:
قال اللهُ تعالى في شرعِ صلاةِ الخوف في سورة النساء:
﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (102)﴾
ثم قال سبحانه:
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)﴾
قال العلَّامة السعديُّ -رَحِمَهُ اللهُ- في فوائد استنبطها مِن إتباعِ آية صلاة الخوف بالأمرِ بِذكر الله عَزَّ وَجَلَّ:
" أي: فإذا فرغتُم مِن صلاتكم -صلاةِ الخوف وغيرِها- فاذكروا اللهَ في جميع أحوالكم وهيئاتكم، ولكن خُصَّت صلاةُ الخوف بذلك لِفوائد:
منها: أن القلب صلاحه وفلاحه وسعادته بالإنابة إلى الله تعالى في المحبة وامتلاء القلب من ذكره والثناء عليه.
وأعظم ما يحصل به هذا المقصود: الصلاة، التي حقيقتها أنها صلة بين العبد وبين ربه.
ومنها: أن فيها من حقائق الإيمان ومعارف الإيقان ما أوجب أن يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة.
ومِن المعلوم أن صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصدُ الحميدة بسببِ اشتغالِ القلب والبدن والخوف فأمر بِجَبْرِها بالذكر بعدها.
ومنها: أن الخوف يوجب مِن قلق القلب وخوفه ما هو مظنَّة لِضعفه، وإذا ضعف القلبُ؛ ضعف البدن عن مقاومة العدو، والذكرُ للهِ والإكثارُ منه مِن أعظم مقوّيات القلب.
ومنها: أن الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سببٌ للفلاح والظفر بالأعداء، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)﴾ [الأنفال] فأمر بالإكثار منه في هذه الحال.
إلى غير ذلك من الحِكَم" اﻫ من "تيسير الكريم الرحمٰن" (ص198 و199، ط 1، 1421ﻫ، مؤسسة الرسالة).
وقال رَحِمَهُ اللهُ:
"ذِكْرُ اللهِ تعالى مُرَقّعٌ لِلْخَلَلِ، مُتَمِّمٌ لِما فيه نقْص، ودليلُه قولُه تعالى -بعدما ذَكَرَ صلاةَ الخوفِ وما فيها مِن عدمِ الطمأنينة ونحوِها- قال:
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ أي: لينجبر نقصُكم، وتتمَّ فضائلُكم.
ويُشبه هذا: أنَ الكمالَ هو الاستثناءُ في قولِ العبد: إني فاعل ذلك غدًا، فيقول: إن شاء الله، فإذا نسي فقد قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف من الآية: 24]، وهذا أعمُّ مِن كونه يستثني، بل يَذكر اللهَ تعالى تكميلًا لِما فاته مِن الكمال، واللهُ أعلم.
فعلى هذا المعنى ينبغي لِمن فعل عبادةً على وجهٍ فيه قصور، أو أخلَّ بما أُمِرَ به على وجْه النسيان؛ أن يتدارك ذلك بِذِكر اللهِ تعالى؛ ليزولَ قصورُه، ويرتفعَ خَلَلُه" اﻫ من "المواهب الرَّبَّانيَّة" (ص 28 و29، الإصدار الثالث، 1428هـ، دار المعالي).
الخميس 16 شوال 1437هـ