مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!


الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن اتبع هُداه.
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْيدًا(1) مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو(2)، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!».
رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.
__________
[تعليقات الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) كذا وقع في الكتاب. والصواب "عَبْدًا" بالإفراد، كما عند مُخرِّجيه جميعًا، وكذلك ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 373 - مجموع الفتاوى)، والناجي في "العجالة".
(2) الأصل والمخطوطة: "لَيَدْنُو يَتَجَلَّى"، والصوابُ ما أثبتناه، وزيادةُ "يَتَجَلَّى" زيادة منكَرة لا أصل لها في شيءٍ مِن روايات الحديث، كما حققتُه في "الصحيحة" (2551). ومِن الظاهر أنَّ مقصود مَن أَدرجَها في الحديث تفسيرُه بها، وهذا خلاف ما عليه السلف أنَّ الدنوَّ صفةٌ حقيقيةٌ لله تعالى كالنزول، فهو يَنزل كما يشاء، ويَدنو مِن خلقه كما يشاء، لا يُشبه نزولَه ودنوَّه نزولُ المخلوقات ودنوُّهم، كما حققه شيخُ الإسلام ابن تيمية في كتابه "شرح حديث النزول" وغيره. وخفي هذا التصويبُ والذي قبله على المحققين الثلاثة للكتاب -زعموا- فطبعوا الحديثَ بالزيادتَين المنكرتين! فهذا مثالٌ مِن عشراتٍ بل مئات الأمثلة مِن تحقيقهم!
"صحيح الترغيب والترهيب" (11- كتاب الحج/ 9- الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة/ 2/ 34/ ح 1154 (صحيح)).

فوائد
"(وَيَقُولُ) سبحانه وتعالى (مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) "ما" استفهامية، والاستفهامُ هنا للتعجّب، كما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾.
قال القرطبيّ: أي إنما حَمَلَهم على ذلك حَتَّى خَرَجوا مِن أوطانِهم، وفارَقوا أهاليهم، ولذّاتِهم: ابتغاءُ مَرضاتي، وامتثالُ أمْري. انتهى" اﻫ من "ذخيرة العقبى" (25/ 336، ط1، 1424ه، دار آل بروم – مكة المكرمة).

قال الشيخ الجامي رَحِمَهُ اللهُ:
"... ولاحظتم -كلُّ من حج منكم- ما يفعله الحُجَّاج في عرفة، في تلك الأمسية العظيمة التي يدنو فيها ربُّ العالمين إلى حُجَّاج بيتِه الواقفين في عرفة، الواقفين بعرفة فقط، كما يليق به، دون أن يشمل ذلك الدُّنوُّ الناسَ الموجودين بمزدلفة مثلًا وفي مكة وما حول منًى وما حول عرفة، يدنو ربُّ العالمين كما يليق به إلى حُجَّاج بيته الحرام عشيةَ يومِ عرفة، فيباهي بهم ملائكته ، في هذه الأمسية أنتم تلاحظونَ جمهور الحُجَّاج ماذا يفعلون ؟
ينشطون في صعودِ الجبل والنزول من الجبل، حتى تغرب الشمس! قبل أن يقف الإنسان وقفةً يَستغفر فيها ويراجِع فيها صفحاتِ أعماله ويبكي على ذنوبَه ويتضرّع إلى الله، فإذا هو يقضي أو كثيرٌ منهم يقضون تلك الأمسيةَ في صعودِ الجبل الذي سُمِّي أخيرًا: (جبل الرحمة)، وهو اسمه (جبل إلال)، على وزن: (هلال)، وهذا الاسم (جبل الرحمة) هو الذي خَدع الناسَ، والناسُ تحسب أن تلك الرحمة في تلك اللحظة وفي ذلك اليوم تَنصَبُّ على ذلك الجبل فقط! والجبلُ جزءٌ من عرفة، ليس له مزيةٌ على سائر البقاع، ولكن أصبح اليومَ صعودُ ذلك الجبل محنةً للحُجاج ومَفسدة لحجِّهم في الغالب الكثير، حيث يصعدون ويجدون هناك آثارًا قديمة للمحراب القديم والأعمدة القديمة، يتمسَّحون بهذه الأعمدة ويصلُّون في تلك المحاريب، ويَقضون تلك الأمسية في أعمالٍ مبتدَعة، وفي أعمال ما أنزل اللهُ بها من سلطان، ثم بعد ذلك ينزل، فيبحث بعضُهم عن الجمل وعن المصوِّر، فيركب الجملَ وهو واقفٌ تحت جبل الرحمة فيسلِّط المصورَ على نفسه، فيصوِّره وهو راكب فوق الجمل، فيأخذ صورةً مكبَّرة فيَحملها إلى بلده، فيعلِّقها في المجلس مكتوبٌ تحته: الحاجّ غضنفر! هذا الحج! وهل هذا هو الحج؟! هل هذا هو الحج المشروع؟!
إذن فنحن بحاجة إلى أن ننصح إخوانَنا المسلمين ليتعلَّموا دينهم، تعلُّمُ الدّين يتوقف على ذلك الاستسلامُ لدِين الله ولشرعِ اللهِ والعملُ بشريعة الله تعالى. هذا هو الإسلام" اﻫ المراد مِن كلام الشيخ محمد أمان الجامي رَحِمَهُ اللهُ تعالى، مِن "شرح التدمرية" الشريط 26، أواخر الدقيقة 29.


الثلاثاء 4 ذي القعدة 1439هـ