أمثلةٌ لآياتِ اللهِ ومخلوقاتِه الدالّةِ على وحدانيّتِه عزّ وجلّ - مِن "حاشية ثلاثة الأصول" -

نصّ رسالة الجوال



22- اذكري أمثلةً لآياتِ الله ومخلوقاتِه، مع الأدلةِ مِن القرآن الكريم وبيانِ دلالتها علىٰ وَحْدانيّةِ الله



البيان
قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟
فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ.
وَمِنْ آيَاتِهِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ(1)، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(2).
وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ: السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَمَا بَيْنَهُمَا(3).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(4) لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ(5) وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(6)} (فصلت: 37).
وَقَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ(7) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ(8) يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا(9) وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ(10) أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ(11) تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(12)} (الأعراف: 54) ).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ آياتِه الْمُشَاهَدَةِ بالأبْصارِ: اللَّيْلُ وَالنّهارُ، وَكَونُ اللَّيْلِ يَأْتِي عَلَى النّهارِ، فَيُغَطِّيهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ! ثَمَّ يَأْتِي النَّهارُ وَيَذْهَبُ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، حَتَّىٰ كَأَنَّ اللَّيْلَ لَمْ يَكُنْ! فَمَجِيءُ هٰذَا وَذَهَابُ هٰذَا بِهٰذِهِ الصِّفَةِ وَهٰذِهِ الصُّورَةِ الْمُشَاهَدَةِ؛ دَالٌّ أَعْظَمَ دلالَةٍ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهِ وَمُوجِدِهِ.
(2) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ آياتِه الْمُشَاهَدَةِ بالأبْصارِ: الشَّمسُ وَالْقَمَرُ، وَكَوْنُهُمَا يَجْرِيَانِ هٰذَا الْجَرَيَانِ الْمُتْقَنِ؛ {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقمرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس: 40)؛ دَالٌّ أَعْظَمَ دلالَةٍ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّةِ مُوجِدِهِمَا، تَعَالَىٰ وَتَقَدَّسَ.
(3) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ الدَّالَةِ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى:
السَّمَاواتُ السَّبْعُ وسَعَتُهَا وَارْتِفَاعُهَا.
والأَرضُونَ السَّبْعُ وَامْتِدَادُهَا وَسَعَةُ أَرْجَائِها.
وَمَا فِي السَّمَاواتِ السَّبْعِ مِنَ الْكَوَاكِبِ الزّاهِرَةِ، والآياتِ الْباهِرَةِ.
وَمَا فِي الأَرضين السَّبْعِ مِنَ الْجِبَالِ وَالْبِحارِ، وأَصْنافِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّباتَاتِ وَسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ.
وَمَا بَيْنَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ مِنَ الأَهْوِيَةِ وَالسَّحَابِ، وَغَيْرِ ذٰلِكَ؛ دَالٌّ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّةِ الْبَارِي جَلَّ جَلالُهُ، وَعَلَىٰ تَفَرُّدِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِير.
(4) أََيْ: وَمِنْ حُجَجِ وَحْدَانِيَّتِهِ -تَعَالَىٰ- وَبَراهينِ فَرْدَانِيَّتِهِ الدَّالَةِ عَلَىٰ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: مَا تَعَرَّفَ بِهِ -تَعَالَىٰ- إِلَينَا بِمَا نَرَاهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَمِنْهَا: اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، فَمَجِيءُ هٰذَا وَذَهَابَ هٰذَا مِنْ دَلائِلِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ الدَّالَةِ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَالشّمسُ وَالْقَمَرُ مَخْلُوقَانِ مُسَخِّرَانِ دَائِبَانِ يَجْرِيَانِ دَالانِ عَلَىٰ تَفَرُّدِهِ -تَعَالَىٰ- بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ.
وَهٰذَا وَجْهُ اسْتِدْلالِ الْمُصَنِّفِ بِالآية هُنَا.
(5) لأَنَّ السُّجُودَ عِبَارَةٌ عَنْ نِهَاِيَةِ التَّعْظِيم، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مَخْلُوقَانِ مُتَصَرَّفٌ فِيهِمَا، يَعْتَرِيهِمَا التَّغَيُّرُ، فَلا يَسْتَحِقَّانِ أَنْ يُسْجَدَ لَهُمَا.
(6) أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ، فَكَمَا أَنَّهُ المتَفَرِّدُ بِخَلْقِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
(7) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ الدَّلائِلِ وَالْمُعَرِّفَاتِ الَّتِي تَعَرَّفَ بِهَا -سُبْحَانَهُ- عَلَىٰ عِبَادِهِ: خَلْقُ السَّمَاواتِ والأَرْضِ مِنْ غَيْرَ مِثَالٍ سَبَقَ، وَتَقْديرُ أَوقَاتِهَا فِيهَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ.
وَأَصْلُ الْخُلُقِ: إيجادُ الْمَعْلُومِ عَلَىٰ تَقْديرٍ وَاسْتِواءٍ، وإبْداعُهُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ سَابِقٍ، وَلا ابْتِداءٍ مُتَقَدِّمٍِ، قَالَ تَعَالَىٰ:
{بَدِيعُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ} (الأنعام: 101). وَقَالَ:
{فَاطِرِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ} (فَاطِر: 1).
(8) اسْتِواءً يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظَمَتِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: (الاسْتِواءُ مَعْلُومٌ، والْكَيْفُ مَجْهُولٌ، والإيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ).
وَبِهٰذَا قَالَ السَّلَفُ، وأَدِلَّةُ عُلُوِّهِ عَلَىٰ خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَىٰ عَرْشِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَىٰ ذٰلِكَ.
(9) أََيْ: يَأْتِي بِاللَّيْلِ فَيُغَطِّي النّهارَ، وَيُلْبِسُهُ إِيَّاهُ حَتَّىٰ يَذْهَبَ بِنُورِهِ، وَيُغْشِي النّهارَ بِاللَّيْلِ {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} طَلَبًا سَرِيعًا، لا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَلا يُدْرِكُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ.
(10) مُذَلَّلاتٍ جَارِيَةً فِي مَجَارِيهَا بِأَمْرِ اللهِ، لا تَتَقَدَّمُ وَلا تَتَأَخَّرُ، وَإذا تَأَمَّلْتَ هٰذَا الْعَالَمَ وَجَدتَّهُ عَلَىٰ أَحْسنِ نِظَامٍ وَأَتَمِّهِ، وَأَدَلِّهِ عَلَىٰ وُجُودِ خَالِقِهِ جَلَّ وَعَلا، وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَكَمَالِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.
(11) فَهُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ، كَمَا أنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالأَمْرِ، فَلا شَرِيكَ لَهُ فِي الْخَلْقِ، كَمَا أنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي الأَمْرِ، لَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ، وَلَهُ الأَمْرُ كُلُّهُ، وَبِيدِهِ الْخَيرُ كُلُّه، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إذا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82).
(12) أََي: بَلَغَ فِي الْبَرَكَةِ نِهَايَتَهَا، إِلٰهُ الْخَلْقِ وَمَلِيكُهُمْ، وَمُوْصِلُ الْخَيْرَاتِ إِلَيهِمْ، وَدَافِعُ الْمَكَارِهِ عَنْهُمْ، والْمُتَفَرِّدُ بِإيجَادِهِمْ وَتَدْبِيرِهِمْ، لا إِلٰهَ إلا هُوَ، وَلا رَبَّ سِوَاهُ"  اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص 38 – 42.