بِمَ نَعْرِفُ ربَّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ؟ - مِن "حاشية ثلاثة الأصول" -

نصّ رسالة الجوال


21 - بِمَ نَعْرِفُ ربَّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ؟


البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ).
قال الشيخ عبد الرَّحمٰن بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"أَيْ: فَقُلْ: عَرَفْتُهُ بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي نَصبَهَا دلالَةً عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ والإلٰهِيَّةِ.
والآياتُ: جَمْعُ آيَةٍ، والآيةُ: الْعَلامَةُ وَالدّلالَةُ وَالْبُرْهَانُ وَالْحُجَّةُ.
وَالْمَخْلُوقَاتُ: جَمْعُ مَخْلُوقٍ، وَهُوَ مَا أُوْجِدَ بَعْدَ الْعَدَمِ.
وآيَاتُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ هِي: دلالاتُهُ وَبَراهينَهُ الَّتِي بِهَا يَعْرِفُهُ الْعِبَادُ، وَيَعْرِفُونَ أَسَمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدَهُ وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.
وآيَاتُهُ الْعِيَانِيَّةُ الْخَلْقِيَّة، وَالنَّظَرُ فِيهَا والاسْتِدْلالُ بِهَا؛ يَدُلُّ عَلَىٰ مَا تَدُلُّ عَلَيهِ آياتُه الْقَوْلِيَّةُ وَالسَّمْعِيَّةُ.
وَالرُّسُلُ تُخْبِرُ عَنْه بِكَلامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَهُوَ: آياتُهُ الْقَوْلِيَّةُ.
وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَىٰ ذٰلِكَ بِمَفْعُولاتِهِ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَىٰ صِحَّةِ ذٰلِكَ، وَهِي: آيَاتُهُ الْعِيَانِيَّةُ.
وَالْعَقْلُ يَجْمَعُ بَيْنَ هَـٰذِهِ وَهَـٰذِهِ؛ فَيَجْزِمُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ؛ فَتَتَّفِقُ شَهَادَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ آياتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهُ دَالٌّ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرِ:
فَوا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإلٰهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَلِلّهِ فِي كُــلَّ تَحْرِيكَةٍ ... وتَسْكِينَةٍ أَبَدًا  شَـاهِدُ
وَفِي كُلَّ شَـيْءٍ لَهُ آيَـةٌ ... تَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّه  وَاحِـدُ
وقَالَ آخَرُ:
تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ  وَاُنْظُرْ ... إِلَىٰ آثَـارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ
عُيُونٌ مِنْ لُجَينٍ شَـاخِصَاتٌ ... بِأَبْصَارٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيْكُ
عَلَىٰ قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شاهِدَاتٌ ... بِأَنّ اللهَ لَيْسَ  لَهُ  شَـرِيكُ
وقَالَ آخَرُ:
تَأَمَّلْ سُـطُورَ الْكَائِنَاتِ فَإِنَّهَا ... مِنَ الْمَلِكِ الأَعْلَىٰ إِلَيكَ رَسَـائِلُ
وَقَدْ خَطَّ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا ... أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ[1]
فَإيجادُ هَـٰذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ أَوَضَحُ دَليلٍ عَلَىٰ وُجُودِ الْبَارِي تَعَالَىٰ وَتَفَرُّدِهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ والإِلٰهِيَّةِ.
وَنَعْرِفُ رَبَّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ- أَيْضًا بِصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَىٰ ذٰلِكَ، وَهِي كَثِيرَةٌ، فَالْكِتَابٌ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَةٌ بِذٰلِكَ" اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص37 و38.


[1] - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ
وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ». متفق عليه.