مَن عَبَد اللهَ تارةً وأشرك معه تارةً؛ ليس بعابدٍ للهِ على الحقيقة -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ رسالة الجوال



24- اقرئي أواخر سورة العنكبوت
ثم وضِّحي حالَ مَن عَبَدَ اللهَ تارةً وأشْرَك معه تارةً.


البيان

قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"ومَعْنَىٰ {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (البقرة: 21)، ومَعْنَىٰ قَوْلِ الرَّسُولِ {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُ} (المؤمنون: 32)، ومَعْنَىٰ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5):
هُوَ مَا فَسَّرَهُ ابنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ:
كُلُّ مَوضِعٍ في القُرْآنِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ} فَمَعْنَاهُ: وَحِّدُوا اللهَ، وَقَالَ: 
عِبَادَةُ اللهِ: تَوْحِيدُ اللهِ، يَعْنِي: اعْبُدُوهُ وَحْدَهُ دُونَ كُلَّ مَنْ سِوَاهُ.
وَهٰذَا يُفِيدُكَ:
عِظَمَ شَأْنِ التَّوْحِيدِ.
وَأَنَّهُ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ.
وَأَنَّه أَوَّلُ فَرْضٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِلْمًا وَعَملاً.
وَهُوَ مَدْلُولُ شَهَادَةِ (أَنْ لا إلٰهَ إلا اللهِ)، الَّتِي أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ:
الْعَلْمُ بِمَعْنَاهَا.
وَالْعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيه؛ مِنْ:
إِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ.
وَالْبَراءَةِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.
وَصُدُورُ الْعِبَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْحِيدٍ؛ لا يُسَمَّىٰ عِبَادَةً، وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ.
وَإذا صَدَرَتْ مِمَّنْ أَشْرَكَ فِيهَا مَعَ اللهِ غَيْرَهُ؛ فَهِي بِمَنْزِلَةِ الْجَسَدِ الَّذِي لا رَوْحَ فِيهِ.
وَإذا عَبَدَ اللهَ تَارَةً، وَأَشْرَكَ مَعَه تَارَةً؛ فَلَيْسَ بِعَابِدٍ لِلّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ كَمَا سَمَّى اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكِينَ وَهُمْ يَعْبَدُونَ اللهَ وَيُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ فِي الشَّدَائِدِ، وَعِنْدَ رُكُوبِ الْبِحارِ وَتَلاطُمِ الأَمْوَاجِ يَهْرُبُونَ وَيَفْزَعُونَ وَيَلْجَؤُونَ إِلَيه -تَعَالَىٰ- وَحْدَهُ، وَيَعْرِفُونَ أَنَّ تِلْكَ الآلِهَةَ لَيْسَتْ شِيئًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهَا لا تَنْفَعُهُمْ عِنْدَ الْكُرُوبِ، وَمَعَ ذٰلِكَ كُلِّهِ سَمَّاهُمُ اللهُ مُشْرِكِينَ[1].
بَلْ نَفَىٰ عَنْهُمْ تِلْكَ الْعِبَادَةَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ[2].
وَلَمْ يَرِدْ فِي الْعِبَادَةِ إلا إِفْرَادُهُ تَعَالَىٰ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، فَمَنْ أَطَاعَهُ فِي جَمِيعِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْهَا؛ فَقَدْ وَحَّدَهُ، وَإلا؛ فَلا.
وَكُونُهُ -تَعَالَىٰ- رَبَّنَا يُفِيدُ وَيَقْتَضِي: أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ، وَأَنْ لا نَجْعَلَ لَهُ شَرِيكًا فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَلا فِي أُلُوْهِيَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ" اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص42 - 44.


[1] - قال تَعَالَىٰ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)} (سورة العنكبوت).
[2] - مثل (سورة الكافرون): {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}.