لن يلج النار مَن صلَّاهما، وفائدة في معنى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عن أبي زُهير عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَنْ يَلِجَ(1) النَّارَ أَحَدٌ صَلَّىٰ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ.
رواه مسلم.
__________
[تعليق الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) "أي يدخل، من (الولوج): الدخول.
قلت: أي دخول عذاب، وإلا فمطلق الدخول لابد منه لعموم الناس، لقوله تعالىٰ: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: 71] أي: داخلها، على القول الراجح في تفسيرها، انظر مقدمتي لكتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات" للشيخ نعمان الألوسي، وهو مطبوع*" اﻫ .

"صحيح الترغيب والترهيب" (5- كتاب الصلاة/ 21- الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر / 1/ 314/ ح 457 (صحيح)).



*   استدل أبي -رَحِمَهُ اللهُ- بحديث جابرٍ عن أُمِّ مُبَشِّرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- في "صحيح مسلم" (2496)[1]، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ:
«لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا».
قَالَتْ: بَلَىٰ، يَا رَسُولَ اللهِ!
فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: 71]. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: 72]».
فقال رَحِمَهُ اللهُ:
"ففي استدلال السيدة حفصة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- بآية الورود دليل على أنها فهمت (الورود) بمعنى الدخول، وأنه عام لجميع الناس: الصالح والطالح منهم، ولذلك؛ أشكل عليها نفيُ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخولَ النار في حق أصحاب الشجرة، فأزال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إشكالها بأن ذكَّرها بتمام الآية: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، ففيه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرَّها علىٰ فهمها المذكور[2]، وأنه على ذلك أجابها بما خلاصته:
أن الدخول المنفي في الحديث هو غير الدخول المثبت في الآية، وأن الأول خاص بالصالحين، ومنهم أهل الشجرة، والمراد به نفي العذاب، أي أنهم يدخلونها مرورًا إلى الجنة، دون أن تمسهم بعذاب .
والدخول الآخر عام لجميع الناس ثم هم فريقان : منهم من تمسه بعذاب ومنهم على خلاف ذلك، وهذا ما وضحته الآية نفسها في تمامها. وراجع لهذا "مبارق الأزهار" (1 / 250) و "مرقاة المفاتيح" (5 / 621 - 632).
 قلت: فاستفدنا من الإقرار المذكور حكمًا لولاه لم نهتد إلىٰ وجه الصواب في الآية، وهو أنّ الورود فيها بمعنى الدخول، وأنه لجميع الناس، ولكنها بالنسبة للصالحين لا تضرُّهم، بل تكون عليهم بردًا وسلامًا، كما كانت علىٰ إبراهيم، وقد روي هٰذا صراحةً مرفوعًا في حديثٍ آخرَ لجابرٍ، لٰكن استغربه الحافظ ابن كثير، وبيّنتُ علَّته في " الأحاديث الضعيفة " (4761). لٰكن حديثه هٰذا عن أم مبشر يدل علىٰ صحة معناه، وقد مال إليه العلامة الشوكاني في تفسيره للآية (3 / 333)، واستظهره مِن قبله القرطبي (11 / 138 و139)، وهو المعتمد" اﻫ كلام أبي -رَحِمَهُ اللهُ- مِن "الآيات البينات" (ص 52 و53، ط1 للطبعة الشرعية الوحيدة، 1425ه، مكتبة المعارف – الرياض).

الأحد 17 رجب 1437ه




[1] -  وهو من أحاديث "صحيح الترغيب والترهيب" (3628).
[2] -      ساق الوالد -رَحِمَهُ اللهُ- هذا الحديث مثالًا على أنه "مِن الفقه الدقيق الاعتناءُ بتتبع ما أقرَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الأمور والاحتجاجُ به.." كما في "الآيات البينات" ص 51.