ما الفَرْقُ بين (النَّبيِّ) و(الرَّسُولِ)؟


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

86 – ما الفَرْقُ بين (النَّبيِّ) و(الرَّسُولِ)؟

البيان
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتم الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمّد، وعلىٰ آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَلَهُ مِنَ الِعُمُرِ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ*، وَثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ نبيًّا رَسُولًا**).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِسِيْرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالنُّبُوَّةُ: مِنَ النَّبَإ، وَهُوَ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّه يُخْبِرُ عَنِ اللهِ.
وَقِيْلَ: مِنَ النَّبْوَةِ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ؛ لِارْتِفَاعِ رُتْبَتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذٰلِكَ؛ لِأَنَّه ارْتَفَعَ عَلَىٰ غَيْرِهِ.
** وَالنَّبِيُّ: إِنْسَاٌن ذَكَرٌ، أُوْحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ، وَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ رَسُولٌ[1].
وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ:
فَالرِّسَالَةُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهَا، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِهَا.
وَالنُّبُوَّةُ أَخَصُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهَا، وَأَعَمُّ مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِهَا.
فَالنُّبُوَّةُ جُزْءٌ مِنَ الرِّسَالَةِ، إِذِ الرِّسَالَةُ تَتَنَاوَلُ النُّبُوَّةَ وَغَيْرَهَا.
وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا[2]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 104 و105.

الثلاثاء 4 ذو القعدة 1434


[1] - يُضَعِّفُ أبي -وغيرُه مِن أهلِ العلم- القولَ بأنَّ النبيَّ لا يؤمَر بالتبليغ؛ قال -رَحِمَهُ اللهُ- في سياقِ ردِّهِ علىٰ مَن ذَهَبَ إلىٰ عدمِ التفريقِ بين النبيِّ والرسول:
".. نَعَمْ إنَّ ما ذهب إليه المومىٰ إليه في الرسالة السابقة مِن إنكارِ ما جاء في بعضِ كتب الكلام في تعريفِ النبيِّ أنه مَن أُوحي إليه بشرعٍ ولم يُؤمَر بتبليغِه؛ فهو مما أصاب فيه كبِدَ الحقيقة، ولطالما أنكرناه في مجالسنا ودروسنا؛ لأن ذٰلك يستلزم جوازَ كتمانِ العلم، مما لا يليق بالعلماء، بله الأنبياء! قال تَعَالَىٰ:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّٰهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ(البقرة: 159).
ولعل المشارَ إليه توهَّم أنَّ هٰذا المنكَر إنما تفرعَّ مِن القولِ بالتفريقِ بين الرسولِ والنبيِّ، فبادر إلىٰ إنكار الأصلِ ليَسقط معه الفرع، كما فَعَل بعضُ الفِرق قديمًا حين بادروا إلىٰ إنكار القَدَرِ الإلٰهيِّ إبطالًا لِلجَبْرِ، وبعضُ العلماءِ في العصر الحاضر إلىٰ إنكارِ عقيدةِ نزولِ عيسىٰ وخروج المهديِّ عليهما السَّلامُ، إنكارًا لتواكُلِ جمهورٍ مِن المسلمين عليها. وكلُّ ذٰلك خطأ، وإنْ كانوا أرادوا الإصلاح، فإنَّ ذٰلك لا يكون ولن يكون بإنكارِ الحقِّ الذي قامت عليه الأدلةُ.
ولو أنَّ الكاتبَ المشارَ إليه توسَّع في دراسة هٰذه المسألة قبل أن يُسوِّد رسالتَه؛ لوَجَدَ فيها أقوالًا أُخرى استوعَبَها العلَّامةُ الآلوسيّ (5/ 449)، ولَكان بإمكانه أن يختار منها ما لا نكارةَ فيه، كمِثلِ قولِ الزمخشريِّ (3/ 37):
"والفَرْق بينهما:
أنَّ الرسولَ مِن الأنبياء: مَن جَمع إلى المعجزةِ الكتابَ المنزَلَ عليه.
والنبيَّ غيرَ الرسولِ: مَن لَم يُنزَل عليه كتاب، وإنما أُمِر أن يَدْعُوَ الناسَ إلىٰ شريعةِ مَن قَبْلَهُ".
ومِثله قولُ البيضاويِّ في "تفسيره" (4/ 57):
"الرسولُ: مَن بَعَثَهُ اللهُ بِشريعةٍ مجدّدة يَدعو الناسَ إليها.
والنبيُّ يَعُمُّه ومَن بَعَثَهُ لِتقريرِ شَرْعٍ سابق، كأنبياءِ بني إسرائيل الذين كانوا بين موسىٰ وعيسىٰ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، ولذٰلك؛ شَبَّه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علماءَ أُمَّتِهِ بِهِم". يُشير إلىٰ حديثِ (عُلماءُ أُمَّتي كأنبياءِ بني إسرائيل)، ولٰكنّه حديثٌ لا أصْلَ له، كما نَصَّ علىٰ ذٰلك الحافظُ العسقلانيُّ والسخاويُّ وغيرُهما.
ثم إنهم قد أَورَدُوا علىٰ تعريفِه المذكورِ اعتراضاتٍ يَتلخَّص منها أنَّ الصوابَ حذفُ لفظةِ "مجدّدة" منه، ومِثلُه لفظةُ "الكتاب" في تعريفِ الزمخشري؛ لأن إسماعيل عَلَيْهِ السَّلَامُ لم يَكُن له كتابٌ ولا شريعةٌ مجدّدة، بل كان علىٰ شريعةِ إبراهيم عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وقد وَصَفَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في القرآنِ بقولِه: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا(مريم: مِن الآية 54).
ويبقىٰ تعريفُ النبيِّ بـ: مَن بُعِثَ لِتقريرِ شرْعٍ سابق.
والرسولُ: مَن بَعَثَهُ اللهُ بشريعةٍ يَدعو الناسَ إليها، سواءً كانت جديدةً أو متقدِّمة.
واللهُ أعلم" اﻫ مِن "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ ق1/ 368 و369، ط1، 1416ﻫ، مكتبة المعارف - الرياض).
ومِن أدلةِ ضَعف القول بأنَّ النبيَّ هو مَن أُوْحِيَ إليه بِشَرْعٍ ولم يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِه: قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» "صحيح مسلم" (1844). يُنظر استدلالُ الوالدِ به علىٰ ذٰلك في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (241).
ومما قاله العلَّامة عبيد الجابري -حَفِظَهُ اللهُ- في هٰذه المسألة:
"والدليل علىٰ أنَّ النبيَّ مُرسَلٌ مِثل الرسول: قولُ الحقِّ جَلَّ جَلَالُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ(الحجّ: مِن الآية 52)، فالآية نصٌّ علىٰ أنَّ النبيَّ مُرسَلٌ مثل الرسول، ولا يُعرَف أنَّ اللهَ أَوحىٰ إلىٰ رجُلٍ وَأَمَرَهُ بالقُعود في بيته.
ولعلَّه يزيد هٰذا توضيحًا قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كانت سياسة بني إسرائيل في الأنبياء، فكلما هلك نبيٌّ؛ جاء نبيٌّ، ولا نبيَّ بَعْدِي»، فقد جَعَلَ اللهُ سياسةَ هٰذه الأمةِ في العلماء، فالأنبياءُ دُعاةٌ ومعلِّمون ومرشِدون، ومنهم مَن هو رسولٌ نبيٌّ، وهو مَن كانت شريعتُه مستقلِّةٌ، ومنهم مَن هو نبيٌّ، وهو مَن جاء مُقَرِّرًا لِشريعةِ مَن قَبْلَهً" اﻫ مِن "إتحاف العقول بشرح الثلاثة الأصول" (ص33 و34، ط1، 1426ﻫ، دار المدينة النبوية).
متَّفقٌ عليه مِن حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مرفوعًا، ولفظه: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ؛ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، "صحيح البخاري" (3455)، "صحيح مسلم" (1842).
وهناك أقوال أخرىٰ في التفريقِ بين النبيِّ والرسول، أذكر منها قولَ شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ:
".. فالنبيُّ هو الذي يُنَبِّئُهُ اللهُ، وهو يُنَبِّئُ بما أَنْبَأَ اللهُ به؛ فإنْ أُرسِلَ مع ذٰلك إلىٰ مَن خالَف أَمْرَ اللهِ لِيُبَلِّغَهُ رسالةً مِن اللهِ إليه؛ فهو رسولٌ، وأمَّا إذا كان إنما يَعمل بالشريعةِ قَبْلَه، ولم يُرسَل هو إلىٰ أحدٍ [يُبَلِّغُه] عنِ اللهِ رسالة؛ فهو نبيٌّ، وليس برسولٍ؛ قال تَعَالَىٰ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّتِهِ(الحجّ: مِن الآية 52)، وقولُه: ﴿مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾؛ فذَكَرَ إرسالًا يَعُمُّ النَّوعَين، وقد خَصَّ أحدَهما بأنّه رسول؛ فإنّ هٰذا هو الرسولُ الْمُطْلَقُ الذي أَمَرَهُ بتبليغِ رسالتِهِ إلىٰ مَن خالَفَ اللهَ..." اﻫ مِن "النبوات" (2/ 714، ط1، 1420ﻫ، أضواء السلف).
[2] - مِن كلام شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- في "الإيمان" بتحقيق أبي رَحِمَهُ اللهُ (ص 6 و7، ط 3، 1408ﻫ، المكتب الإسلامي).