نبذةٌ عن مَولِدِ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

85- تكلَّمي عن مَولِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، وشيءٍ مِن حَياتِهِ قَبْلَ البِعْثَةِ.

البيان
الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَلَهُ مِنَ الِعُمُرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً*، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* وُلِدَ عَلَيه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ الإثْنَيْنِ، ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ[1] عَامَ الْفِيلِ[2]، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيه هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ[3]، وَفِيه تُوُفِّيَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامَهُ عَلَيْهِ[4]. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«ذٰلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيْهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيْهِ»[5].
وارْتَجَّ لِمَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيوَانُ كِسْرَىٰ، وَخَمَدَتِ النِّيْرَانُ، وَخَرَّ كَثِيْرٌ مِنَ الْأَصْنَامِ[6]، وَظَهَرَ النُّوْرُ مَعَهُ حَتَّىٰ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامُ[7]، وَهَتَفَتْ بِهِ الْجِنُّ[8]، وَجَرَىٰ مِنْ مُعْجِزَاتِ آيَاتِهِ غَيْرُ ذٰلِكَ.
وَتَوَفِّي أَبُوه وَهُوَ حَمْلٌ[9]، وَكَانَ عِنْدَ جَدِّهِ[10]، ثُمَّ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ[11].
وَتَزَوَّجَ خَدِيْجَةَ وَلَهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً[12]، وَمِنْهَا أَوَلَادُهُ[13] إلَّا إِبْرَاهِيْمَ فَمِنْ مَارِيَّةَ[14].
وَشَهِدَ حِلْفَ الْمُطَيَّبِين[15]، وَبِنَاءَ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يُسَمَّى: (الْأَمِيْنُ) قَبْلَ مَبْعَثِهِ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ[16]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 104.


يَعمد فئامٌ مِن الناسِ -نَرجو لهم الهدايةَ- إلىٰ تخصيصِ أيامٍ أو مُناسَباتٍ لِقراءةِ نبذةٍ عن مولِدِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، ويُسَمُّونه: قراءة المولد، أو الاحتفال بالمولد النبويّ. والحقُّ الذي لا مِرية فيه أن هٰذه بدعةٌ ضَلالة، استفاضتْ فتاوى العلماءِ الناصحين في تَبيينِها ونَسْفِ شُبهاتها، وهٰذه مجرد إشارة؛ دَرْءًا لهوىٰ باطل، ورِدْءًا لذاهِلٍ غافل! واللهُ المستعان.
 

الأربعاء 28 شوّال 1434هـ


[1] - قال أبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح السيرة النبوية" (ص 13، ط1، 1421ﻫ، المكتبة الإسلامية – عمّان):
"وأما تاريخُ يومِ الولادة؛ فقد ذُكِر فيه وفي شَهْرِه أقوالٌ ذَكَرها ابنُ كثيرٍ في الأصل، وكلُّها مُعَلَّقةٌ بدون أسانيد يُمكن النَّظرُ فيها ووزنُها بميزان عِلم مصطلح الحديث؛ إلَّا قولَ مَن قال: إنه في الثامِنِ مِن ربيعٍ الأول؛ فإنه رواه مالكٌ بسندٍ صحيحٍ عن مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وهو تابِعيٌّ جليل، ولعَلَّه لِذٰلك صَحَّح هٰذا القولَ أصحابُ التاريخِ واعتَمَدوه، وقَطَعَ به الحافظُ الكبيرُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْخَوَارِزْمِيُّ، وَرَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ. والجمهورُ علىٰ أنه في الثاني عَشَرَ منه. واللهُ أعلم" اهـ.
[2] - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ"؛ رواه الحاكم وقال: "هٰذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَىٰ شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، ووافقه أبي رَحِمَهُ اللهُ  كما في "صحيح السيرة النبوية" (ص 13، مصدر سابق).
[3] - جاء في "البداية والنهاية" (4/ 270، دار هجر): "وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: (وُلِدَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفِيلِ، يَوْمَ الإثْنَيْنِ، الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ). فِيهِ انْقِطَاعٌ" اﻫ.
[4] - مِن أدلة ذٰلك حديثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في "صحيح البخاري" (1387)؛ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَىٰ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: (فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ)، وَقَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: (يَوْمَ الِاثْنَيْنِ)... الحديث.
[5] - في "صحيح مسلم" (1162) مما رواه عن أبي قتادة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: فذكره.
[6] - ذَكَرَ أبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح السيرة النبوية" (ص 14، مصدر سابق) تبويبَ الحافظِ ابنِ كثير: (ذِكْرُ ارتجاسِ الإيوان، وسقوطِ الشرفات، وخمودِ النيران، ورؤيا الْمُوبَذان، وغيرِ ذٰلك مِن الدّلالات) وكَتَب تحته: "ليس فيه شيء"؛ أي ليس فيه ما هو علىٰ شرطِ كتابِه "صحيح..".
[7] - عَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ: «دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَىٰ عِيسَىٰ، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ»، رواه الإمام أحمد (5/ 262)، وصحَّحه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1925)، "صحيح الجامع" (3451).
[8] - مثال ذٰلك ما رواه الإمام البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا؛ إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ؛ بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: "لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هٰذَا عَلَىٰ دِينِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، أَوْ: لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ" فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذٰلِكَ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ"، قَالَ: "فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي"، قَالَ: "كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ"، قَالَ: "فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟"، قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا؟ وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا؟!"، قَالَ عُمَرُ: "صَدَقَ؛ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ! يَقُولُ: يَا جَلِيحْ! أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، فَوَثَبَ القَوْمُ، قُلْتُ: لًا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هٰذَا، ثُمَّ نَادَىٰ: يَا جَلِيحْ! أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هٰذَا نَبِيٌّ".
[9] - "البداية والنهاية" (3/ 382، ط دار هجر). قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: "وَهٰذَا أَبْلَغُ الْيُتْمِ، وَأَعْلَىٰ مَرَاتِبِهِ!" اﻫ مِنها (3/ 383).
[10] - يُنظر المصدر السابق (3/ 430 و431).
[11] - يُنظر المصدر السابق (3/ 432).
[12] -  "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 212، ط 3، 1410ﻫ، دار الكتاب العربي).
[13] - يُنظر: المصدر السابق (1/ 215).
[14] - يُنظر المصدر السابق (1/ 216).
[15] - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ» رواه الإمام أحمد (1/ 190 و193)، وصحَّحه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1900)، قال الحافظ ابن حِبَّان بعد هٰذا الحديث -مع روايةٍ له عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
"أَضْمَرَ فِي هٰذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ (مِنْ)، يُرِيدُ بِهِ: (شَهِدْتُ مِنْ حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْهَدْ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ؛ لِأَنَّ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا شَهِدَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْفَ الْفُضُولِ، وَهُمْ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ، قَدْ ذَكَرْتُ الْكَلَامَ عَلَىٰ هٰذَا الْخَبَرِ بِتَفْصِيلٍ فِي كِتَابِ (التوريث والحَجْبِ)" اﻫ مِن "التعليقات الحِسان" (6/ 392)، ويُنظر "صحيح السيرة النبوية" للوالد رَحِمَهُ اللهُ (ص 35 و36، مصدر سابق).
[16] - روى الإمامُ أحمد (3/ 425) عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مَوْلَاهُ -وهو السَّائِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يَبْنِي الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: وَلِي حَجَرٌ أَنَا نَحَتُّهُ بِيَدَيَّ أَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ، فَأَجِيءُ بِاللَّبَنِ الْخَاثِرِ الَّذِي أَنْفَسُهُ عَلَىٰ نَفْسِي، فَأَصُبُّهُ عَلَيْهِ، فَيَجِيءُ الْكَلْبُ فَيَلْحَسُهُ، ثُمَّ يَشْغَرُ فَيَبُولُ! فَبَنَيْنَا حَتَّىٰ بَلَغْنَا مَوْضِعَ الْحَجَرِ، وَمَا يَرَى الْحَجَرَ أَحَدٌ، فَإِذَا هُوَ وَسْطَ حِجَارَتِنَا مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ، يَكَادُ يَتَرَاءَىٰ مِنْهُ وَجْهُ الرَّجُلِ، فَقَالَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ: نَحْنُ نَضَعُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَحْنُ نَضَعُهُ، فَقَالُوا: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ حَكَمًا، قَالُوا: أَوَّلَ رَجُلٍ يَطْلُعُ مِنَ الْفَجِّ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْأَمِينُ، فَقَالُوا لَهُ، فَوَضَعَهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ دَعَا بُطُونَهُمْ، فَأَخَذُوا بِنَوَاحِيهِ مَعَهُ، فَوَضَعَهُ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". حَسَّنَ إسنادَه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "صحيح السيرة النبوية" (ص 45، مصدر سابق).