أفضلُهما أيسرُهما: خلاصةٌ في مسألة أفضلية الصوم أو الفطر في السفر

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه.
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عن أبي سعيد الخدريّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:
"غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ".
وفي رواية:
"يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ".
رواه مسلم وغيره.
(قال الحافظ):
"اختلف العلماءُ أيهما أفضل في السفر؛ الصوم أو الفطر؟
فذهب أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى أنَّ الصوم أفضل، وحُكي ذلك أيضًا عن عثمان بن أبي العاصي، وإليه ذهب إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي.
وقال مالك والفضيل بن عياض والشافعي: الصوم أحب إلينا لمن قوي عليه.
وقال عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: الفطر أفضل.
وروي عن عمر بن عبد العزيز وقتادة ومجاهد: أفضلهما أيسرهما على المرء. واختار هذا القولَ الحافظُ أبو بكر بن المنذر، وهو قول حسن. والله أعلم" (1).
__________
[تعليق الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) قلت: ولقد صدق رحمه الله، "أفضلهما أيسرهما"، والناس تختلف طاقاتهم وظروفهم، فليأخذ كلٌّ منهم بما هو أيسرُ له، ولذلك صحَّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لمن سأله عن الصوم في السفر: «صُمْ إنْ شِئْتَ، وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ». رواه مسلم (3/ 145)، وفي طريقٍ آخر صحيح بلفظ: «أيّ ذلك عليك أيسر؛ فافعل»، وهو مخرج في "الصحيحة" (2884)Emoji.
"صحيح الترغيب والترهيب" (9- كتاب الصوم/ 14- ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه، وترغيبه في الإفطار/ 1/ 617و618/ ح 1062 (صحيح)).

Emojiوفيها:
"«أيَّ ذٰلكَ عليكَ أَيْسَرُ؛ فَافْعَلْ» يعني إفطار رمضان أو صيامه في السفر.
أخرجه تمام في "الفوائد" (ق 161 / 1):
أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن فضالة بن غيلان بن الحسين السُّوسي الحمصي الصفار: حدثنا أبو عبد الله بَحْرُ بنُ نَصْرُ حدثنا ابن وهب حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمران بن أبي أنس حدَّثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن حمزة بن عمرو: أنه سأل رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ؟ فقال: فذكره.
قلت:  وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات من رجال "التهذيب" غير السوسي هذا، ترجمه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 213) برواية جمع عنه، وروى عن أبي سعيد بن يونس أنه قال فيه:
"توفي سنة (339) وكان ثقة، وكانت كتبه جيادًا ". وابن لهيعة في حفظه ضعف إلا في رواية العبادلة عنه، فإنها صحيحة، وهذه منها كما ترى. وللحديث طرق أخرى عن حمزة بن عمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بألفاظ أخرى. أحدها في "صحيح مسلم" وهي مخرجة في "الإرواء" (926). وإنما آثرتُ تخريجَ هذا اللفظ هنا:
لِعِزَّة مَصدره أولًا.
ولتضمُّنِه سببَ ترخيصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتخييرِه لِلمسافر بالصوم أو الإفطار ثانيًا، وهو التيسير، والناس يختلفون في ذلك كل الاختلاف، كما هو مشاهد ومعلوم من تباين قدراتهم وطبائعهم، فبعضُهم الأيسرُ له أن يصومَ مع الناس، ولا يقضي حين يكونون مُفطرين، وبعضُهم لا يهمُّه ذلك فيفطر ترخُّصًا ثم يقضي، فصلى اللهُ على النبيِّ الأُمِّيِّ الذي أنزل عليه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾" اﻫ من "صحيحة" أبي (6/ ق2/ 898 و899).

الأحد 21 رمضان 1437ه