حُكم الطهارة للطواف، في فِقْهِ فضيلة الوالد الألبانيّ


حُكم الطّهارة للطّواف في فِقْهِ فضيلةِ الوالدِ الألبانيّ
بِسمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرّحيمِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فهٰذه عدةُ فتاوىٰ لأبي -رَحِمَهُ اللهُ- في مسألة الطهارةِ للطوافِ، وهي مما لم يتعرَّض له ببيانٍ في كُتبه إلا ضِمنًا في قولِه في "التعليقات الرّضيّة" (2/ 94):
"وذهب أكثر السلف إلىٰ أنه لا يُشترط للطواف شروطُ الصلاة؛ وهو مذهب أبي حنيفة وغيره.
قال شيخ الإسلام في "الفتاوىٰ" (2/ 453): "وهٰذا القول هو الصواب"، ثم أفاض في التدليل لذٰلك؛ فراجعه!" اﻫ.
وفي قولِه فيها أيضًا (2/ 96):
"وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلىٰ جواز طواف الحائض، ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرًا؛ بأن تتأخر حتىٰ تطهر؛ لذهاب رفقتها وعدم انتظارهم إياها؛ في بحث له طويل نفيس، راجعه في "الفتاوىٰ" (2/ 436 - 456)" اﻫ.
وواضح أنها لا تعتبر فتوىٰ صريحة منه في المسألة، وإنما إشارةً إلىٰ قولٍ آخر فيها.
لَمّا كان هٰذا[1]؛ وجدتُ أنّ مِن الضروريِّ نَشْرَ فتاواه الصريحةِ الواضحةِ في المسألة، منبِّهةً -أو مُذكِّرةً!- إلىٰ أنّ فِقْهَه -رَحِمَهُ اللهُ- ليس محصورًا في كتبه، نعم؛ تحريرُ المسائل في الكتب قد يكون أوضحَ وأدقَّ، لٰكنّ ذٰلك لا يلغي فائدةَ الصوتيات، لا سيما في مِثلِ هٰذه الحالة: ليس في الكتب فتوىٰ صريحة، بينما في الأشرطة أكثر مِن فتوىٰ! وها هي عشرٌ أمامنا أو تزيد:
~~~~~
الوالد -رَحِمَهُ اللهُ- يرىٰ شَرْطيّةَ الطهارةِ للطّواف
(1) فقد سئل:
هل الطهارةُ شرطٌ لِلسّعيِ والطَّواف أم لا؟ وما الدليل علىٰ ذٰلك؟
فأجاب:
بلىٰ شرط، لأنه قال عَلَيْهِ السَّلامُ لعائشة وهي حائض: «اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي [بِالْبَيْتِ] وَلا تُصَلِّي»[2]، فجَعَلَ الطوافَ كالصلاة؛ (لا تَطُوفِي وَلا تُصَلِّي)، (...).
"المتفرِّقات" (ش 306 ، د 8:48).
 (2) وسئل:
هل يصحُّ الطواف بدون وضوء؟ أو: إذا توضأ ثم أَحْدَثَ حَدَثًا أصغر أثناء الطواف فهل يَبطل طوافُه ويَلزمه تجديدُ الوضوء؟
فقال:
الجواب: هٰذه مسألة خلافيّة، والراجح: أنه لابدّ مِن الطهارة:
أولاً: بدليلِ حديثِ عائشة السّابق: «اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي [بِالْبَيْتِ] وَلا تُصَلِّي».
ثانيًا: قوله عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ، ولٰكنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ أَحَلَّ لَكم فيه الكلام، فلا تكثروا فيه مِن الكلام»[3]، فحينما قال: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ»، هٰذا التشبيهُ يقتضي إيجابَ الطهارة.
فيكون هٰذا الحديثُ مُدْعِمًا لحديث عائشة، وحديثُ عائشة مُدْعمًا له، مِن حيث إنّ كلاً منهما يوجِب الطهارةَ لِلطواف حولَ الكعبة.
 مِن تفريغات (الشاملة) مع الضبط والتعديل؛ وَفْقَ "المتفرِّقات" (ش 9 ، د 1:30:20).
~~~*~~~
وكذٰلك الشأن في السَّعْي
-وقد ذُكر في السؤال الأول، لٰكنْ فيما يلي خَصَّه بالفُتيا-
(3) فقد قال -رَحِمَهُ اللهُ- لِسائلٍ:
الطّوافُ فيه نَصٌّ، السّعي ليس فيه نَصٌّ، فهو موضع اجتهاد، الذي يتبادر لواحدٍ مِثْلي أنّ السعي تابعٌ لِلطواف، ثم السّعيُ نَفْسُه سُمِّي طوافًا في القرآن[4]؛ فإذًا؛ يأخذ حُكمَ الطواف.
فلما الرسول قال لعائشة -وقد حاضتْ-: «اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي [بِالْبَيْتِ] وَلا تُصَلِّي»؛ فهٰذا طواف، فيَدخُل -واللهُ أعلم- في عمومِ هٰذا النصِّ.
السائل: جزاكَ اللهُ خيرًا.
أبي: وإيّاك، الذي -مثلاً- يريد أن يقول: لا؛ السّعيُ لا يُشترط له الطهارة؛ فهو مُكَلَّفٌ أن يأتيَ بالدليل، وإلا؛ فالأصْلُ ما شَرَحْتُه آنفًا.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 405 ، د 25:26 ، مسجَّل في الحرَمِ المكّيِّ حَرَسه الله، في حجّ 1410 ﻫ).
~~~~**~~~~
وإذا طرأ الحَدَثُ أثناءَ الطواف؛ يتوضَّأ ويَبْني (يُكْمِل)
(4) فقد سئل رَحِمَهُ اللهُ:
لا يجوز الشروعُ في الطوافِ إلا بوضوء، ولٰكن إذا انتقض الوضوءُ خلال الطواف؛ هل عليه أن يُتِمَّ طوافَه، ولا شيءَ عليه؟
فأجاب:
كما لو كانت المرأةُ التي تَحيض حاضت وهي تطوف، ماذا تفعل؟ تُمْسِك عن الطواف، كذٰلك هو، لٰكنْ هو يستطيع أن يُجَدِّد وضوءه، وهي تُجَدِّد طهارتَها -ما شاء الله- بعد أيام.
ثم سئل: يُتِمّ -يا شيخ!- أم يبدأ مِن جديد؟
فقال: لا، يُتِمّ.. يعني إذا قضىٰ شَوطَين؛ يأتي بخمسة. بقي في نِصفِ الشَّوط الأخير؛ يُكمل النصف، وهٰكذا.
السائل: الشيخ ابن عثيمين (..) أنه يجوز أن يَطوف إذا انتقض وضوؤه خلال الطواف، ما أدري هل في ذِهنك شيء...؟
أبي: لا، لٰكنْ هٰذا يمكن لا يَرىٰ شَرْطيّةَ الطهارةِ للطواف.
السائل: هو قال: لا يجوز له أن يطوف بدون وضوء، ولٰكنه إذا شرع في الطواف ثم انتقض وضوؤه خلال الطواف؛ عليه أن يُتِمَّ طوافَه ولا شيء عليه[5].
أبي: هٰذا كلام مُتنافِر!.. ويحتاج إلىٰ نَصٍّ تَخْضَعُ الأعناقُ له، ولا وجودَ له.
السائل: جزاك الله خيرًا.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 402 ، د 00:43:34).

(5) وسئل رَفَعَ الله درجاته في الجنّات:
إذا طفتُ مثلاً خمسة أشواط وانتقض وضوئي، ورجعتُ فتوضأت، أكمِل أم أبدأ مِن جديد؟
أبي: بعد أن جدَّدتَ وضوءك؟ لا، ليس ضروريًّا أن تستأنف، وإنما تُكْمِل.
 السائل: أُكمِل الشوط، نفس الشوط الذي أنا انتقض [وضوئي فيه]،... من المكان الذي..
أبي: يعني مثلاً: انتقض وضوؤك عند الرُّكنِ اليَماني، رحتَ توضأتَ؛ تَستأنف مِن هناك.
السائل: مِن الرُّكن اليماني، جزاك الله خيرًا.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 411 ، د 00:36:53).

(6) وسئل:
الْمَغشِيُّ عليه -يا شيخ!- في الطواف؛ يعيد الطواف، أم يكمل مِن مكان سقوطه؟
فقال رَحِمَهُ اللهُ: لا، حيث وَقَعَ؛ حيث وَقَعَ مَغشيًّا عليه؛ مِن هناك، ولٰكنّه عليه أن يتوضَّأ.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 409 ، د 00:32:34).
~~~~~***~~~~~
ولا يرىٰ جوازَ الطَّوافِ لِلحائض
(7) سئل رَحِمَهُ اللهُ:
امرأةٌ حاضَتْ قبل أن تَطوفَ طوافَ الإفاضة، وموعِدُ المغادرة في اليوم الثالث عشر، فما أدري -يا شيخ!- ما هو الحكم الشرعي في ذٰلك، هل تطوف أم...؟
فأجاب أثابه اللهُ حُسْنَ الثواب:
لا ما تطوف، لا نرىٰ رأيَ ابن تيمية ومَن معه في هٰذه القضيّة (...)، قال عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حينما نُبِّئ بأنَّ صفيَّة قد حاضَتْ فقال عَلَيْهِ السَّلامُ:
«أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟». قالوا: إنها قد طَافت طوافَ الإفاضة، قال:
«فَلْتَنْفِرْ إذًا»[6].
فنحن نأخذ مِن هٰذا الحديث ما يؤكِّد ما يدلُّ عليه الحديثُ الأول، حديثُ عائشة؛ نهاها عَلَيْهِ السَّلامُ أن تطوف حول الكعبة وهي حائض، ولذٰلك قد انقلبتْ عمرتُها إلىٰ حجٍّ، فلم تَطُفْ حولَ الكعبة، وحينما طَهُرتْ إنما طَهُرتْ في عَرفة، ولذٰلك حينما أعلن النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النفرَ إلى المدينةِ دَخَل عليها فوجدها تبكي، قال لها:
ما لكِ؟ قالت:
ما لي؟! يَعود الناس بحجٍّ وعمرةٍ وأعود أنا بحجٍّ دون عُمرة!
فأمر عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أخاها عبدَ الرحمٰن بن أبي بكر الصديق أن يُردِفَها خلفه على الناقة، وأن يخرج بها إلى التَّنعيم، وأن تُحْرِمَ مِن هناك، تعويضًا لها عن عُمرتها التي فاتتْها[7]، فالشاهد أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاها أن تطوف حول الكعبة وهي حائض، أكَّد عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هٰذا النهيَ وأضاف إلىٰ ذٰلك أنه لَمَّا تَبادَرَ إلىٰ ذِهنِه أنّ صفيَّةَ -وهي كما تَعلمون زوجتُه عَلَيْهِ السَّلامُ- لَمَّا حاضَتْ تَبادَر إلىٰ ذِهنِه أنها لم تَطُفْ طواف الإفاضة، ولذٰلك قال: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» أي: إنّ الرسول عَلَيْهِ السَّلامُ قد وَطَّن نَفْسَهُ ليتأخَّرَ حتىٰ تَطْهُرَ زَوجُهُ، وتَتمكَّنَ مِن الطواف حول الكعبة بعد أن تَطْهُر، لٰكن لَمَّا قِيل له عَلَيْهِ السَّلامُ بأنها قد طافت طواف الإفاضة؛ قال: «فَلْتَنْفِرْ إذًا»؛ مُبَيِّنًا أنّ طوافَ الوداع ليس ركنًا كطوافِ الإفاضة، وإنما هو واجب، فمِثْلُ هٰذا الواجب يُتسامَح به بالنسبة للنساءِ أو المرأةِ التي حاضَت.
فلِهٰذين الحديثَين أقول:
لا أرىٰ جواز طواف المرأة الحائض لكي تَصْحَبَ الرِّفْقةَ، كما يقولون.
وأنا سُئلتُ مرةً، وفي موسمِ الحجِّ، وبحضرة الشيخ ابن باز ذكره اللهُ بخير، لأنه هو أَبْدىٰ رأيَه المعروف عنه تَبعًا لابن تيمية، فأنا قلتُ مُقْتَبسًا مِن حديث الخثعميّة التي سألت النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقولها:
إنّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يَثْبُتُ على الرَّحْل، أفأَحُجُّ عنه؟ قال:
«حُجِّي عَنْهُ»[8]. وفي بعض الروايات:
«أرأيت إن كان علىٰ أبيك دَينٌ؛ أفتقضينه عنه؟» قالت: بلىٰ، قال:
«فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَىٰ»[9].
دَينُ اللهِ أَحَقُّ أنْ يُقْضَىٰ، أقول أنا اقتباسًا مِن الحديث:
حَقُّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أحَقُّ أن يُراعَىٰ.
فإذا امرأة مَرِضَتْ وهي لم تَطُفْ بَعْدُ طوافَ الإفاضة، واقتضىٰ مَرَضُها أن تُنقَل إلى المستشفىٰ؛ ماذا يَفعل رِفقتُها:
أيُسافرون بها علىٰ مَرضِها، علىٰ عُجَرِها وبُجَرِها؟!
أم يَصبرون عليها ويُدْخلونها.. خاصةً إذا ما كُسِرَتْ أو عَرَجَتْ؟!
فلابد أن يُدخلوها المستشفىٰ، ولابد لهم أن يتأخّروا، إذًا؛ «دَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَىٰ».
لذٰلك؛ فاعتبارُ الرِّفقةِ هنا -خشيةَ أن يَذْهبوا- ضرورةً يُسَوَّغُ مِن أجْلِها ارتكابُ ما حرَّم الله عَزَّ وَجَلَّ على المرأةِ الحائض مِن الطواف؛ لا أعتقد أنّ هٰذه ضرورة، وإلا أيش معنى الحديث: «غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي وَلا تُصَلِّي»، وقوله عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ»؟! هٰذا إلغاءٌ للحديثَين معًا.
هٰذا جوابي -أيضًا- عن السؤال.
السائل: جزاك الله خيرًا يا شيخ!
أبي: وإياكم إن شاء الله.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 635 ، د 55).

(8) وكذٰلك سئل: ما هو حُكمُ امرأةٍ -في الحجِّ- حاضت قَبْلَ طوافِ الإفاضة، ويَحين وقتُ مغادرتِها مكةَ قَبْلَ أن تَطهُر، فماذا عليها أن تفعل؟

فقال:

هٰذا سؤال يتكرَّر، وأعرف جواب بعض العلماء الأفاضل بأنها تطوف وتنطلق مع رِفْقَتِها، أنا أرىٰ هٰذا الجواب خطأً خطأً جَليًّا. 
بعض العلماء يُفْتون بأنها تطوف وهي حائض لِتنطلق مع رِفقتها، وقلتُ سَلَفًا بأنّ هٰذا الجوابَ خطأ، أقول في الجوابِ بجوابين اثنين؛ مختصَر وهو جواب جَدَليٌّ عِلميٌّ، ومفصَّل:

أمّا الجوابُ الجَدَليُّ العِلميّ:
ماذا تَفعل هٰذه المرأةُ إذا كُسِرَتْ أو أصابَها مَرضٌ؟
هل يأخذونها -رِفقتُها- ويُسَفِّرونها معهم وهي كسِيرة؟!
أم يضطرُّون لإدخالها المستشفىٰ لِيعالجوها فيه حتىٰ تَبرأ، على الأقلّ تستطيع أن تمشي ولو علىٰ عُكَّازتين؟
فدَينُ اللهِ أحقُّ أن يُقْضَىٰ، وطاعةُ الله أَولىٰ بالمؤمن، ولذٰلك؛ فلا ينبغي للعلماءِ أن يتسرَّعوا في تَصوُّر وجودِ ضرورةٍ لهٰذه المرأة أن تطوف وهي حائض مع عِلمِهم أنّ هناك في "صحيح البخاري" مِن حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنها لَمّا حَجَّت مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلوا في مكانٍ قريبٍ مِن مكة يُعرف بـ: سَرِف؛ دَخل الرسولُ عَلَيْهِ السَّلامُ عليها، فوجدها تبكي، قال لها: ما لَك؟ أَنَفِسْتِ -أو: نُفِسْتِ-؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: «هٰذا أمرٌ كَتَبهُ اللهُ علىٰ بَناتِ آدَمَ، فاصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي [بِالْبَيْتِ] وَلا تُصَلِّي».
كيف نقول لها: صلِّي، أو نقول لها: طوفي، وهي غير طاهر؟! هٰذا لا يجوز.
(ها؛ يوجد ضرورة)، ما هي الضرورة؟ الضرورة أنّ رِفقتَها يريدون أن يسافروا، نقول: رفقتُها لا يسافرون كلُّهم إلا وبعضُهم سيتأخَّر فيما لو أصابها مصيبةٌ بَدَنيّةٌ تضطرها إلى التأخُّر، فإذا أصابها مصيبةٌ دِينيّة؛ فهي أَولىٰ بأن تتأخّر، كما أشرنا إلىٰ ذٰلك بقوله عَلَيْهِ السَّلامُ في حديث الخثعمية المعروف:
«فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَىٰ»، يعني: مراعاة حقوق الله عَزَّ وَجَلَّ في ذاتِ نَفْسِ المسلم يجب أن يَهتمَّ بها أكثرَ وأكثرَ مِن غيرها. 
ولذٰلك؛ فلا عُذْرَ لِهٰذه المرأة الحائض أن تطوف وهي حائض بحُجَّةِ أنّ رُفقاءها أو صَواحباتها، لأنّ هناك فتوىٰ تقول بأنه يجوز للمرأة أن تحجَّ مع صواحب لها إذا كُنّ أيش؟ ثقات ودَيِّنات! هٰذا كلام باطل ويخالف حديثَ الرسول عَلَيْهِ السَّلامُ.
فإذًا؛ لا يجوز إلا أن تتأخَّرَ حتىٰ تطهُرَ، وتغتسل، وتطوفَ طوافَ الإفاضة. 
ولا بأس عليها إذا ما حاضت بعد طواف الإفاضة، ولم تطف طوافَ الوداع أن [تَنْفِرَ] بلا طوافَ وداع.
وهٰذا الحديث فيه نكتة:
لَمّا الرسول عَلَيْهِ السَّلامُ عَلِمَ بأنّ صفيّةَ حاضت، فقال عَلَيْهِ السَّلامُ سائلاً: هل طافت طواف [الإفاضة]؟ قالوا له: نعم، قال: «فَلْتَنْفِرْ إذًا»، فإذًا؛ الرسول هنا فَرَّقَ بين طوافِ الإفاضة وبين طوافِ الوداع، فلو كان الجواب بأنها لم تَطُف طوافَ الإفاضة؛ ماذا يفعل الرسول؟ يتأخَّر مِن أجلها، لٰكن لَمّا كان الجواب أنها طافت طوافَ الإفاضة؛ قال لها: [«فَلْتَنْفِرْ إذًا»]، أي لتخرُج مِن مكة بدون طواف الوداع؛ لأن حُكْمَ طواف الوداع دون طواف الإفاضة، وإن كان كُلٌّ منهما واجبًا، لٰكن طواف الإفاضة رُكن، وطواف الوداع واجب يصحُّ الحجُّ بدونه، وبالتالي يَسقط هٰذا الواجب بعُذر أيش؟ الحيض، لٰكن طواف الإفاضة لا يسقط بعُذر الحيض.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 231 ، د 33:45).
 

 ~~~~~~****~~~~~~
ولا لِلنُّفَساء
(9) سئل -بعد أن أفتىٰ في مسألةِ مَن حِيل بينه وبين صلاةِ الصُّبح بمزدلفة-:
شيخنا! الفتح الربّاني الذي ربُّنا سُبحَانَهُ وتَعالىٰ فتح عليكَ به، نسأل اللهَ أن يزيدك مِن هٰذه الفتوحات، ألا تنطبق علىٰ مَن تَلِدُ حَملَها بَعْدَ نزولها مِن عرفة ومِن مزدلفة ومِن مِنى، وتريد أن تطوف طواف الإفاضة ولم تستطع وبقي لها أربعون يومًا، وجماعتُها يريدون أن يسافروا؟
أبي: لا، نحن أجَبْنا عن هٰذا مِرارًا وتَكرارًا. المسألة هٰذه تُعالَج -يا أخي!- قلنا: لو مرضَتْ ماذا يَفعلون بها؟! وقلنا جوابًا: « فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَىٰ».
السائل: شيخنا! في الحقيقة التطبيق العَمَليّ: المرض نادرًا ما يحصل، لٰكن بالنسبة للنساء كثيرًا ما تحصل الولادة.
أبي: يا أخي! إذا ما حصل بالنسبة للنساء يحصل بالنسبة للرجال؛ ما الفَرْق؟! فالنساء شقائق الرجال، والأصل الرجال ويُلحَق بهمُ النساء، فلا يستويان مثلاً.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 639 ، د 14:32).
~~~~~~~~~*****~~~~~~~~~
وكذٰلك السَّعي
(10ا حاضت المرأة وهي في المسعىٰ؛ عليها أن تتوقف؟.. وتستأنف السعيَ كلَّه؟
فقال: حيث شعرت بالنزول؛ هناك تستأنف بعد أن تَطهُر.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 405 ، د 49:56 ، مسجّل في الحرم المكّيّ حرسه الله، في حجّ 1410 ﻫ).

(11) وسئل رَحِمَهُ اللهُ خلال كلامِه عن مسألةِ دخولِ الحائض المسجد:
السعي؛ تستطيع أن تَسعىٰ؟
فأجاب:
لا؛ هنا يوجد مسألة أخرىٰ خلافيّة:
هل السَّعيُ طوافٌ أم ليس بطواف؟ هٰذا أولاً.
ثانيًا: هل هناك سعيٌ بدون طواف؟
ليس هناك سعيٌ بدون طواف، إذًا؛ ليس لها سعي، بطبيعة الحال؛ لأنه مربوطٌ بالطواف.
سائل: إذا طافت وهي طاهرة وحاضت قبل أن (..)؟
أبي: جيد؛ نحن نرىٰ أنه لا يجوز لها السعي؛ لأن الآية التي تقول: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158)، فسمَّى السعيَ طوافًا، فلا تطوف أيضًا إلا وهي طاهرة.
سائل: يعني السعي يحتاج وضوءًا.
أبي: نعم.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 83 ، د 22:11).
~~~انتهىٰ~~~



[1] - ولَمّا رأيتُ بعضَ المعتنين بآراء الوالد الفقهية -جَزاهم اللهُ خيرًا- قد جَعلوا القولَ بعدم اشتراط الطهارة للطواف هو رأي أبي في المسألةِ، اعتمادًا على التعليقِ الأول السابق، في حين أنه علىٰ فرض نفْيِهِ الشَّرْطيّةَ؛ فإنه ينبغي النظر: هل لا يَراه واجبًا أيضًا؟! إضافةً إلىٰ بيانِهم أنّ فِقْهَ فضيلة الوالدِ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- إنما يُؤخذ مِن كُتبه، لأنه لم تكن له دروس يشرح فيها المتون ويعلّق عليها، وإنما هي جلسات يجلسها للفتاوى..!
[2] - رواه الشيخان وغيرهما، واللفظ لأبي داود؛ "صحيح سنن أبي داود" (1567)، وجاء في حديث جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدِمَتْ مَعَهُ مَكَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْسُكَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لا تَطُوفُ وَلا تُصَلِّي حَتَّىٰ تَطْهُرَ» "صحيح البخاري" (7230).
[3] - ينظر "إرواء الغليل" (121) و"صحيح الجامع" (3954 – 3956).
[4] - قال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 158).
[5] - لا أعلم أنّ فضيلة العلامة العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- لا يجيز الطوافَ بدون وضوء، فإنما هو يَرىٰ أنّ الأفضل أن يَكون به، وقال في إحدىٰ فتاواه: "ولٰكن لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في هٰذا الأمر فيطوف بغير وضوء، إنما لو وقع مثل هٰذه الحالة التي سأل عنها السائل [أدّىٰ طوافَ الإفاضة بدون وضوء]؛ فإنه لا يلزمه إعادةُ الطواف، وحجُّه قد تمّ" اﻫ مِن "مجموع فتاوىٰ ورسائل العلامة العثيمين" (22/ 367). أمّا طواف الحائض فهو يرىٰ بطلانَه؛ يُنظَر مثلاً: "مجموع فتاواه" (22/ 385)، إلا لضرورةٍ؛ كما في "الشرح الممتع" (1/ 331 و332)، وهو -رَحِمَهُ اللهُ- يؤيّد فتوىٰ شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- في ذٰلك، وأنه بها يُفتي. وللاستفادة في عموم مسألة الطهارة للطواف؛ تُنظر فتاواه -رَحِمَهُ اللهُ- في "مجموع فتاواه" (22/ 356 -  376).
[6] - متفق عليه، يُنظَر "صحيح البخاري" (4401)، "صحيح مسلم" (1211).
[7] - يُنظَر الحديث في "صحيح البخاري" (1561) و "صحيح مسلم" (1211).
[8] - متفق عليه، وهٰذا لفظ مسلم (1335).
[9] - في غير حديث الخثعمية، يُنظَر "صحيح مسلم" (1148).