عِبادةُ الإنابةِ والفَرْقُ بينها وبين التوبة -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ رسالة الجوّال


35- ما دليلُ أنَّ الإنابةَ عِبادةٌ؟
وما وَجْهُ الدّلالة؟
وما الفَرْقُ بينها وبين التوبة؟
وما حُكْمُ صَرْفِها لغَير الله؟


البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَدَلِيلُ الإِنَابَةِ*:
قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ**} (الزُّمَر: من الآية54) ).
علَّق الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم -رَحِمَهُ اللهُ- قائلاً:
"* وَأَنَّهَا مِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَهِي التَّوْبَةُ، بَلْ أَعَلَىٰ مَقَامِ التَّوْبَةِ:
فَإِنَّ التَّوْبَةَ: الإِقْلاعُ عَنِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمُ عَلَىٰ مَا فَاتَ، وَالْعَزْمُ أَنْ لا يَعُودَ إِلَيهِ.
وَالإِنَابَةُ تَدُلُّ عَلَىٰ ذٰلِكَ، وَتَدُلُّ عَلَى الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ بِالْعِبَادَاتِ.
والإقبالُ عَلَى اللهِ رُجُوعٌ عَمَّا لا يَنْبَغِي بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَصْدٌ إِلَىٰ مَا ينبغي مِنْ رِضاِهُ.
** أََيّْ: وَأَقْبِلُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَارْجِعُوا إِلَيهِ بِالطَّاعَةِ، {وَأَسْلِمُوا لَهُ} أَخْلِصُوا لَهُ التَّوْحِيدَ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (الزُّمَر: مِن الآية 54) أَيْ: بَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ حُلُولِ النِّقْمَةِ، وَأَمْرُهُ تَعَالَىٰ عِبَادَهُ بِالإِنَابَةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَأَنَّهُ يُحِبُّهَا شَرْعًا وَدِيْنًا؛ فَصَرْفُهَا لِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ أَكْبرُ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص55.
ـسسسسســـــــــــ
قال الإمام ابن قيم الجوزية رَحِمَهُ اللهُ:
"وَالإِنَابَةُ إِنَابَتَانِ:
إِنَابَةٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ: وَهِيَ إِنَابَةُ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا، يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} (الرُّوم: 33)، فَهٰذَا عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ دَاعٍ أَصَابَهُ ضُرٌّ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ.
وَهٰذِهِ الإِنَابَةُ لا تَسْتَلْزِمُ الإِسْلامَ، بَلْ تُجَامِعُ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَىٰ فِي حَقِّ هٰؤُلاءِ: {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} (الرُّوم: 33 و34)، فَهٰذَا حَالُهُمْ بَعْدَ إِنَابَتِهِمْ.
وَالإِنَابَةُ الثَّانِيَةُ:
إِنَابَةُ أَوْلِيَائِهِ، وَهِيَ إِنَابَةٌ لإِلٰهِيَّتِهِ: إِنَابَةَ عُبُودِيَّةٍ وَمَحَبَّةٍ.
وَهِيَ تَتَضَمَّنُ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ:
1/ مَحَبَّتَهُ.
2/ وَالْخُضُوعَ لَهُ.
3/ وَالإِقْبَالَ عَلَيْهِ.
4/ وَالإِعْرَاضَ عَمَّا سِوَاهُ.
فَلا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُنِيبِ إِلا مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هٰذِهِ الأَرْبَعُ، وَتَفْسِيرُ السَّلَفِ لِهٰذِهِ اللَّفْظَةِ يَدُورُ عَلَىٰ ذٰلِكَ.
وَفِي اللَّفْظَةِ مَعْنَى:
الإِسْرَاعِ.
وَالرُّجُوعِ.
وَالتَّقَدُّمِ.
وَالْمُنِيبُ إِلَى اللَّهِ:
الْمُسْرِعُ إِلَىٰ مَرْضَاتِهِ.
الرَّاجِعُ إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ.
الْمُتَقَدِّمُ إِلَىٰ مُحَابِّهِ" اﻫ مِن "مدارج السالكين" (2/ 6 و7، ط 2، 1429 ﻫ، دار طيبة).