محظوران يترتَّبان علىٰ عدمِ تمييزِ أنواعِ الحديث الضعيف

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام علىٰ من لا نبيَّ بعدَه
أمَّا بعد
ذكر الوالد -رَحِمَهُ اللهُ- أنّ الحافظ المنذريَّ -رَحِمَهُ اللهُ- جَعَلَ أحاديثَ كتابِه "الترغيب والترهيب" قسمين:
"الأول: ما صدّره بلفظة (عن) المشعِر بقوته.
والآخر: ما صدّره بلفظ (روي) المشعِر بضعفه.
ثم إنه أدخل في القسم الاول ثلاثةَ أنواع من الحديث وهي:
الصحيح، والحسن، وما قاربهما.
وأدخل في القسم الآخر ثلاثة أنواع أيضًا وهي:
الضعيف، والضعيف جدًّا، والموضوع":
ثم قال:

أنواعُ الأحاديثِ الضعيفةِ وعدمُ تمييزِ المنذريِّ بينها
وأما القسم الآخر الشامل للأحاديث المصدَّرة بلفظة (روي)؛ فوجْهُ الغموض فيه أنه يشمل كلَّ حديث ضعيف مهما كانت نسبةُ الضَّعف فيه يسيرةً أو شديدة، ذٰلك؛ لأنَّ الضعيف مِن هٰذه الحيثية علىٰ ثلاثة أنواع، وقد جاءت الإشارة إليها في كلمة المنذريِّ التي نقلتها آنفًا:
الأول: الموضوع، وهو شرُّ أنواعه، والإشارة إليه بقوله: "وإذا كان في الإسناد مَن قيل فيه: (كذّاب) أو: (وضّاع)".
الثاني: الضعيف جدًّا، وهو المشار إليه بقوله: "أو متَّهم، أو مُجمَع علىٰ تركه، أو ضعفه، أو ذاهب الحديث، أو هالك، أو ساقط، أو ليس بشيء، أو ضعيف جدًّا".
الثالث: الضعيف، وهو ما كان في سنده راوٍ حالُه خيرٌ مِن حال مَن ذُكر آنفًا، وأشار إليه المنذريُّ بقوله: "أو ضعيف فقط، أو لم أرَ فيه توثيقًا".

بيانُ المحظورِ مِن عدمِ التمييزِ المذكور
قلت: فتصدير هٰذه الأنواعِ الثلاثة بصيغة (روي) -علىٰ ما بينها مِن تفاوت شديد- مما لا يتماشىٰ مع واجب النُّصح في مثل هٰذا الأمر الهامّ، لا سيَّما ويترتَّب عليه محظوران اثنان:
الأول: أن الحديث قد يكون من النوع الأول (الموضوع)، أو الثاني (الضعيف جدًّا)، فيقف بعضُ القرّاء علىٰ شاهدٍ له، فيتوهَّم أنَّ الحديث يتقوَّىٰ به، وليس كذٰلك؛ لأنه شديد الضعف، أو موضوع، ولا ينفع فيه الشاهد، كما هو مقرَّر في "المصطلح"، فلو أنَّ المنذريَّ بَيَّن ذٰلك لَمَا تَورَّط القارئ ووقع في مثل هٰذا الخطأ الفاحشِ المخالِفِ لِما عليه العلماء، المستلزمِ للوقوع في وعيدِ قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن قال عليَّ ما لم أقُلْ؛ فليتبوَّأْ مَقعدَه مِن النار»، والعياذ بالله تعالىٰ[1].

المحظورُ الأفحَشُ: العملُ بالحديثِ الضعيفِ، وقد يكون موضوعًا!
والآخر وهو أفحش: أنَّ مِن الشائع المعروف بين جمهورِ أهل العلم وطُلَّابه أنَّ الحديثَ الضعيفَ يُعمل به في فضائل الأعمال، ويَعتبرون ذٰلك قاعدةً عِلميةً لا جدال فيها عندهم، وهي غيرُ مسلَّمةٍ علىٰ إطلاقها عند المحقِّقين مِن العلماء، كما سيأتي نقلُه عنهم، فأولٰئك إذا بَلَغَهُم حديثٌ ضعيفٌ بادروا إلى العمل به، غيرَ منتبهين لِاحتمال كونه شديدَ الضعف أو موضوعًا، وحينئذ لا تجوز روايتُه إلا ببيانِ حاله، والتحذيرِ منه، فضلًا عن العملِ به، فيقع المحظورُ الأولُ وزيادة، كما هو ظاهر، فلو أنه بيَّن لهم ذٰلك؛ لم يعملوا به إن شاء الله تعالىٰ[2]" . اﻫ مِن "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 42 و45 - 47 ).

الثلاثاء 15 شعبان 1436هـ.



[1] - انظر مقدمة "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، المجلد الأول. (منه).
[2] - انظر مثالًا لهٰذا في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" المجلد الأول حديثًا موضوعًا فيه برقم (321) قوَّىٰ به بعض أفاضل علماء السِّنْد حديثًا ضعيفًا؛ بسبب سكوتِ العلماء عن وضعه، واقتصارِ بعضهم علىٰ تضعيفه! (منه).