التعليقُ على القيدِ الفقهيِّ لِقاعدة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله.
أمَّا بعد
قال أبي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ:
ب - القيد الفقهيُّ
وأما القَيدُ الآخَر وهو الفقهيُّ فهٰذا أوان البحث فيه، فأقول: قد دندن الحافظ ابن حجر حوله في الشرط الثاني المتقدِّم (ص 48) بقوله:
"وأن يكون الحديثُ الضعيفُ مندرجًا تحت أصل عام . .".
إلا أنَّ هٰذا القيدَ غيرُ كافٍ في الحقيقة؛ لأن غالب البدع تندرج تحت أصلٍ عام، ومع ذٰلك فهي غير مشروعة، وهي التي يُسمِّيها الإمامُ الشاطبيُّ بالبدع الإضافيَّة، وواضحٌ أنَّ الحديث الضعيف لا ينهض لِإثبات شرعيَّتها، فلا بد مِن تقييد ذٰلك بما هو أدقُّ منه، كأن يقال:
أن يكون الحديث الضعيف قد ثبتت شرعيةُ العملِ بما فيه بغيرِه ممَّا يَصلح أن يكون دليلًا شرعيًّا، وفي هٰذه الحالة لا يكون التشريعُ بالحديث الضعيف، وغايةُ ما فيه زيادةُ ترغيبٍ في ذٰلك العمل ممَّا تَطمع النَّفسُ فيه فتَندفع إلى العمل أكثرَ ممَّا لو لم يكن قد رُوي فيه هٰذا الحديثُ الضعيف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوىٰ" (1/ 251):
"وَذَٰلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ، وَرُوِيَ فِي فَضْلِهِ حَدِيثٌ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ؛ جَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ حَقًّا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا بِحَدِيثِ ضَعِيفٍ، وَمَنْ قَالَ هَٰذَا فَقَدَ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ" " اﻫ مِن "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 54 و55).

ثم قال الوالد -رَحِمَهُ اللهُ- بعد عدة صفحات نَثَرَ فيها دُررًا مِن كلامِ شيخِ الإسلام ابن تيمية والعلامة الشاطبيِّ في تفصيلِ مسألةِ العمل بالحديث الضعيف:

صعوبةُ تمييزِ الضعيفِ الذي يَجوز العملُ به حديثيًّا وفقهيًّا
وبعدما عرفتَ -أيها القارئ!- هٰذا الشرطَ الفقهيَّ في جواز العمل بالحديث الضعيف، وذاك الشرطَ الحديثيَّ المتقدِّم أن لا يكون شديد الضعف؛ يتبين لك أنه كان مِن الواجب على الحافظ المنذريِّ أن يميِّزَ الحديثَ الضعيف، والضعيفَ جدًّا، والموضوعَ، ويعطي كلَّ حديثٍ مِن أحاديث كتابه الضعيفة مرتبتَه مِن هٰذه المراتب الثلاث، وأن لا يُجمِل القولَ فيها بتصديرِها كلِّها بصيغة (رُوي)؛ خشية أن يُبادر أحدٌ مِن القُرّاء إلى العملِ ببعض الواهي والموضوع منها، فيقع في المحظور السابق بيانه ولو كان من الفقهاء.
هٰذا من الناحية الحديثية.
وأمَّا من الناحية الفقهية؛ فليس يَخفىٰ أنه مِن غير الميسور تمييزُ الحديثِ الضعيف الذي يجوز العملُ به، مِن الذي لا يجوز العملُ به، إلا على المحدِّثين الفقهاءِ بالكتاب والسُّنة الصحيحة، وما أقلَّهم! ولذٰلك؛ فإني أرىٰ أنَّ القولَ بالجواز بالشرطين السابقين نظريٌّ غيرُ عمليٍّ بالنسبة إلىٰ جماهير الناس؛ لأنه مِن أين لهم تمييزُ الحديث الضعيف من الضعيف جدًّا؟ ومن أين لهم تمييزُ ما يجوز العملُ به منه فقهيًّا مما لا يجوز؟ فيرجع الأمرُ عمليًّا إلىٰ قول ابن العربيِّ المتقدِّم:
"أنه لا يُعمل بالحديث الضعيف مطلقًا"، وهو ظاهرُ قولِ ابن حِبَّان:
"لأنَّ ما رَوَى الضَّعيفُ وما لم يَرْوِ في الحُكْمِ سِيَّان"[1].
وهٰذا هو الذي أَنصح به عامَّةَ الناس، وهو الذي كنتُ نَصحتُ به في مقدمة كتابي "صحيح الجامع الصغير وزيادته" و "ضعيف الجامع.." (ص51)، فليراجعْه مَن شاء" اﻫ مِن "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 65 - 66).

السبت 19 شعبان 1436هـ



[1] - انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" وتعليقي عليه (ج2- ص3 – تحت الحديث 504). (منه).