سببُ عَجَبِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم مِن تَصْدِيقِ السَّائلِ في حديثِ جِبْريلَ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-

نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

76- علِّلي عَجَبَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم مِن تَصْدِيقِ السَّائلِ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديثِ جِبْريلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟

البيان
جاء في حديث جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ:
يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ؟ فَقَالَ:
«أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا». قَالَ:
صَدَقْتَ.
فَعَجِبْنَا لَهُ؛ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ:
«أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». قَالَ:
صَدَقْتَ.
قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ:
أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ*.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ».
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* وَفِي رِوايَةٍ: (فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلهُ وَيُصَدِّقهُ) كَمَا ذَكَرَ ذٰلِكَ بَعْدَ الإِسْلامِ وَالإِيْمَانِ[1].
وَفِي رِوَايَةِ أَبِيْ فَرْوَة: (فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ: صَدَقْتَ؛ أَنْكَرْنَاهُ)[2].
وَفِي رِوَايَةِ مَطَرٍ: (انْظُرُوا إِلَيْهِ كَيْفَ يَسْأَلهُ، وَانْظُرُوا إِلَيْهِ كَيْفَ يُصَدِّقهُ!)[3].
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: (انْظُرُوا هُوَ يَسْأَلهُ وَهُوَ يُصَدِّقهُ؛ كَأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ!)[4].
وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ: (قَالَ الْقَوْمُ: مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِثْلَ هٰذَا؛ كَأَنَّهُ يُعَلِّم رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يَقُول لَهُ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ!)[5].
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا عَجِبُوا مِنْ ذٰلِكَ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَيْسَ هٰذَا السَّائِلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ يُخْبِرهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذٰلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِدِ لِذٰلِكَ[6]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 97.

الإثنين 5 شوال 1434


[1] - "الأربعون" للنسوي (1). وفي "صحيح مسلم" (10) تَكرَّر قولُ السائلِ «صَدَقْتَ».
وعبارةُ الحافظِ ابن حجر في "الفتح" (1/ 147، ط 3، 1407ﻫ، المطبعة السلفية) هي: "زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاع قَوْلَ السَّائِلِ «صَدَقْتَ» عَقِبَ كُلِّ جَوَابٍ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ. وَزَادَ أَبُو فَرْوَةَ فِي رِوَايَتِهِ: «فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْل الرَّجُل صَدَقْتَ؛ أَنْكَرْنَاهُ»، وَفِي رِوَايَة كَهْمَس: «فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلهُ وَيُصَدِّقهُ». وَفِي رِوَايَة مَطَر: «اُنْظُرُوا إِلَيْهِ كَيْف..»" إلخ ما نقله الشيخُ ابن قاسم رَحِمَهُ اللهُ.
[2] - "سنن النسائي" (4991).
[3] - "مستخرج أبي عوانة" (6470).
[4] - "كشف الأستار" (22).
[5] - في "مسند الإمام أحمد" (1/ 52): «.... قَالَ: فَمَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: إِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَغُسْلٌ مِنَ الْجَنَابَةِ. كُلُّ ذٰلِكَ قَالَ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ. قَالَ الْقَوْمُ: مَا رَأَيْنَا رَجُلًا أَشَدَّ تَوْقِيرًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هٰذَا، كَأَنَّهُ يُعَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ -أَوْ تَعْبُدَهُ- كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. كُلُّ ذٰلِكَ نَقُولُ: مَا رَأَيْنَا رَجُلًا أَشَدَّ تَوْقِيرًا لِرَسُولِ اللهِ مِنْ هٰذَا، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ..».
[6] - تتمة عبارةِ العلامةِ القرطبيّ: "فَتَعَجَّبوا مِن ذٰلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِدِ لِأنْ يكونَ أحَدٌ يَعْرِفُ تِلْكَ الأُمُورَ الْمَسْؤُولَ عَنْهَا مِن غيرِ جِهَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" اﻫ مِن "المفهم" (1/ 151، ط1، 1417، دار ابن كثير).