الحكمةُ مِن جَوابِ النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لمّا سئل عنِ السّاعة -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

77- بماذا أجاب النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ لمّا سئل:
«مَتَى السَّاعَةُ؟»؟
وما الحكمةُ مِن جَوابِه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟

البيان
جاء في حديث جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟* قَالَ:
مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ**».
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
* وَلَفْظُ "الصَّحِيْحَيْنِ"[1]: (مَتَى السَّاعَةُ؟) أَيْ: مَتَىٰ تَقُومُ السَّاعَةُ؟ وَالْمُرَادُ يَوْمُ الْقِيَامَة.
** وفِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ: فَنَكَسَ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ أَعَادَ فَلَمْ يُجِبْهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَقَالَ: «مَا الْمَسْؤُولُ بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»[2]، أَيْ: أَنَا وَأَنْتَ سَوَاءٌ فِي الْعِلْمِ بِهَا؛ فَإِنَّهَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِعِلْمِهِ, كَمَا فِي الآيَةِ الْكَرِيْمَةِ:
﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (لقمان: مِن الآية 34). وَفِي الْحَدِيْثِ:
«مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لاَ يَعْلَمُهَا إِلا اللهُ» قَالَ: «وَلَا يَعْلَمُ مَتَىٰ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللهُ»[3]. وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هُنَا:
فَقَالَ: «سُبْحَان اللهِ! خَمْسٌ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللهُ» ثُمَّ تَلَا الآيَة[4].
وَفِيْهِ:
التَّعْمِيمُ تَعْرِيضًا لِلسَّامِعِينَ؛ أَنَّ كُلَّ مَسْؤُولٍ وَسَائِلٍ عَنْهَا؛ فَهُوَ كَذٰلِكَ.
وَكَفُّ السَّامِعِينَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ وَقْتِهَا؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَكْثَرُوا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذٰلِكَ[5]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 97 و98.

~~~~ فائدة ~~~~
جاء في "مجموع فتاوىٰ شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ" (4/ 341 و342):
"وَسُئِلَ :
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هَلْ يَعْلَمُ وَقْتَ السَّاعَةِ؟
فَأَجَابَ:
أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَسْؤُولُ عَنْهُ كَوْنُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَعْلَمُ وَقْتَ السَّاعَةِ"؛ فَلَا أَصْلَ لَهُ، لَيْسَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْدِيدِ وَقْتِ السَّاعَةِ نَصٌّ أَصْلًا، بَلْ قَدْ قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَـٰوَاتِ وَالْأَرْضِ (الأعراف: 187)، أَيْ خَفِيَ عَلَىٰ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَقَالَ تَعَالَىٰ لِمُوسَىٰ:
﴿إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا (طه: 15)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، فَكَيْفَ أُطْلِعُ عَلَيْهَا؟!
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ فِي "مُسْلِمٍ" مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ:
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ». فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ، وَكَانَ السَّائِلُ فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جِبْرِيلُ إلَّا بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ[6]، وَحِينَ أَجَابَهُ لَمْ يَكُنْ يَظُنُّهُ إلَّا أَعْرَابِيًّا، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ عَنْ نَفْسِهِ: إنَّهُ لَيْسَ بِأَعْلَمَ بِالسَّاعَةِ مِنْ أَعْرَابِيٍّ؛ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَ مِيقَاتِهَا؟!
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِأَشْرَاطِهَا، وَهِيَ عَلَامَاتُهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَبَعْضُهَا لَمْ يَأْتِ بَعْدُ.
وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ -مِثْلُ الَّذِي صَنَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ "الدُّرَّ الْمُنَظَّمَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَعْظَمِ"، وَذَكَرَ فِيهِ عَشْرَ دَلَالَاتٍ بَيَّنَ فِيهَا وَقْتَهَا، وَاَلَّذِينَ تَكَلَّمُوا عَلَىٰ ذٰلِكَ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَاَلَّذِي تَكَلَّمَ فِي "عَنْقَاءَ مُغْرِبٍ" وَأَمْثَالُ هَٰؤُلَاءِ-؛ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ صُورَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ أَتْبَاعِهِمْ؛ فَغَالِبُهُمْ كَاذِبُونَ مُفْتَرُونَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَدَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ وَإِنِ ادَّعَوْا فِي ذَٰلِكَ الْكَشْفَ وَمَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللّٰهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف: 33)" اﻫ.

الجمعة 9 شوال 1434


[1] - في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهو في "صحيح البخاري" (50 و 4777)، و"صحيح مسلم" (9).
[2] - "سنن النسائي" (4991).
[3] - "صحيح البخاري" (7379).
[4] - "مسند الإمام أحمد" (1/ 319)، وهو في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1345).
[5]قال العلامة القرطبيُّ في "المفهم" (1/ 154 و155، ط1، 1417، دار ابن كثير): "وقوله: «متىٰ تقومُ السَّاعَةُ؟» مقصودُ هٰذا السؤالِ: امتناعُ السامعين مِنَ السؤال عنها؛ إذْ قد كانوا أكْثَروا السؤالَ عن تعيينِ وقتِها؛ كما قال الله تَعَالَىٰ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ (النازعات: 42)، و ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ﴾ (الأحزاب: 63)، وهو كثيرٌ في الكتابِ والسُّنَّة، فلمَّا أجابَهُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنّه لا يَعْلَمُها إلا الله؛ يَئِسَ السائلون مِنْ مَعْرفتِها، فانكفُّوا عنِ السؤالِ عنها. وهٰذا بخلافِ الأسئلةِ الأُخَرِ؛ فإنَّ مقصودَها: استخراجُ الأجوبةِ عنها لِيتعلَّمَها السامعون، ويعملَ بها العاملون" اﻫ [في الأصل: (ليستعملها) بدل: لِيتعلَّمَها، واستفدتُ التصحيحَ مِن "فتح الباري" (1/ 148، ط 3، 1407ﻫ، المطبعة السلفية)].
[6] - في روايةٍ لحديثِ جِبريل -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَٰذَا؟ هَٰذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ، خُذُوا عَنْهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا شُبِّه عَلَيَّ مُنْذُ أَتَانِي قَبْلَ مَرَّتي هَٰذِهِ، وَمَا عَرَفْتُهُ حَتَّىٰ وَلَّىٰ»؛ ينظر "التعليقات الحِسان علىٰ صحيح ابن حبّان" (173).