حديثُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ في مَراتبِ الدِّينِ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

72- اذكري الدليلَ من السُّنَّةِ علىٰ مراتبِ الدِّينِ الثلاثِ وَفْقَ حديثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في "صحيح مسلم"، وبيِّني ألفاظَ مَطْلَعِ الحديثِ مِن بعضِ الرِّواياتِ والطُّرُقِ الأُخرىٰ

البيان
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ(1): حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ:
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ(2) قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(3) إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ(4)، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ(5)، لا يُرَىٰ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ(6)، حَتَّىٰ جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَىٰ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَىٰ فَخِذَيْهِ(7)، وَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ:
«أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلٰهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا». قَالَ:
صَدَقْتَ.
فَعَجِبْنَا لَهُ؛ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ:
«أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». قَالَ:
صَدَقْتَ. قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ:
«أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ:
«مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ». قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ:
«أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ». قَالَ:
فَمَضَىٰ، فَلَبِثْنَا مَلِيَّا، فَقَالَ:
«يَا عُمَرُ! أَتَدْرُونَ مَنِ السَّائِلِ؟». قُلْنَا:
اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:
«هٰذَا جَبْرَائِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُم» ).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) أَيْ: وَالدَّلِيلُ عَلَىٰ مَرَاتِبِ الدِّينِ الثَّلاثِ: الإسْلامِ والإيمَانِ والإحْسَانِ، مِنَ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذٰلِكَ.
(2) مِنْ طُرُقٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيْثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لِمَا فِيه مِنْ زَوائِدِ الْفَوَائِدِ.
وَهُوَ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ" مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ.
وَهُوَ حَدِيْثٌ جَلِيلٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ، يَشْتَمِلُ عَلَىٰ بَيَانِ الدِّيْنِ كُلِّهِ.
(3) وَفِي "الصَّحِيْحَيْنِ"[1] مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ).
(4) وَلأَبِي فَرْوَة[2]: (فَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْده، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا، كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ)[3].
(5) وَلابْنِ حِبَّانَ: (شَدِيْدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ)[4].
(6) وَلِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: (لَيْسَ عَلَيْهِ سَحْنَاءُ السَّفَرِ، وَلَيْسَ مِنَ الْبَلَدِ)[5] اﻫ.
فَتَعَجَّبَ الصَّحَابَةُ مِنْ هٰذَا الرَّجُلِ حَيْثُ كَانَ شَدِيدَ بَيَاضِ الثِّيابِ، شَدِيدَ سَوادِ الشَّعْرِ، وَالْمُسَافِرَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لا يَكُونَ كَذٰلِكَ، وَمَعَ ذٰلِكَ لا يُرَىٰ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْحَاضِرُونَ.
وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ[6]: (فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ فَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ هٰذَا).
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ[7]: (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَلُونِي»، فَهَابُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ).
(7) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ[8] وَغَيْرِهِ[9]: (ثُمَّ وَضَعَ يَدَهَ عَلَىٰ رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وَلِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: (فَتَخَطَّىٰ حَتَّىٰ بَرَكَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجْلِسُ أَحَدُنَا فِي الصَّلاةِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىٰ رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[10].
وصَنِيعُهُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مُنَبِّهٌ لِلإِصْغَاءِ إِلَيْهِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ لِمَا يَنْبَغِي لِلْمَسْؤُوْلِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالصَّفْحِ عَمَّا يَبْدُو مِنْ جَفَاءِ السَّائِلِ، كَوَضْعِهِ يَدَهُ عَلَىٰ رُكْبَتِهِ، وَلَعَلَّ مُبَالَغَةَ جِبْرِيْلَ تَعْمِيَةٌ لِأَمْرِهِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 92 - 94.[11]

الأربعاء 29 رمضان 1434


[1] - "صحيح البخاري" (50)، "صحيح مسلم" (9).
[2] - أبو فروة هو الأكبر؛ راوي الحديث عن أبي زرعة عن أبي هريرةَ وأبي ذَرِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في "سنن النسائي"، واسمه: عُروة بنُ الحارث؛ ثقة؛ "تهذيب التهذيب" (7/ 178).
[3] - "سنن النسائي" (4991)، وينظر "إرواء الغليل" (1/ 33/ ح 3).
[4] - "التعليقات الحِسان" (168).
[5] - "صحيح ابن خزيمة" (1) بلفظ: "سَحْنَاءُ سَفَرٍ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ".
[6] - ابْنِ غِيَاثٍ راوي الحديثِ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ الْحِمْيَرِيِّ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عن أبيه رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- في "مسند الإمام أحمد" (1/ 27)؛ ثقة ورُمي بالإرجاء؛ "تهذيب التهذيب" (7/ 146 و147).
[7] - (10) بلفظ: "فَهَابُوهُ".
[8] - "مسند الإمام أحمد" (1/ 319) بلفظ: "وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَىٰ رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[9] - أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما؛ "سنن النسائي" (4991).
[10] - "سنن الدارقطني" (2708) وغيرها، وفيها جميعًا: "حَتَّىٰ وَرِكِ"، ووجدتها "بَرَكَ" في "فتح الباري" (1/ 142، ط 3، 1407ﻫ، المطبعة السلفية)، والمصنِّف يَنقل عنه، رَحِمَهُمَا اللهُ.
[11] - وهو مِن "فتح الباري" (1/ 142 و143) باختصار وتصرُّف.