خُلاصةٌ في تفسيرِ الإِسْلامِ وَالإِيْمَانِ إذا اقْتَرَنَا -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

74- علىٰ ضوءِ حديثِ جبريلَ بيِّني بماذا يُفَسَّر الإسلامُ والإيمانُ إذا اقْتَرَنَا؟

البيان
جاء في حديث جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ:
يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ:
«أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلٰهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»*. قَالَ:
صَدَقْتَ.
فَعَجِبْنَا لَهُ؛ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ!** قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ:
«أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». قَالَ:
صَدَقْتَ***.
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* وفيه[1]:
«وَتُقِيْمُ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا».
وَهٰذِهِ الأَرْكَانُ الْخَمْسَةُ هِيَ الإِسْلامُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ:
(فَإِذَا فَعَلْتُ ذٰلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»).
فَدَلَّ عَلَىٰ أَنْ مَنْ أكْمَلَ الإِتْيَانَ بِمَبَانِي الإِسْلامِ الْخَمْسِ؛ صَارَ مُسْلِمًا حَقًّا، وَهٰذَا هُوَ دَلِيْلُ الْمَرْتَبَةِ الأُوْلَىٰ، وَفَسَّرَهُ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ, وَالإِسْلامُ: هُوَ الدِّينُ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا (المائدة: مِن الآية 3). وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِالاسْتِقامَةِ عَلَيْهِ.
** عَجِبَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مِنْه؛ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ السَّائِلِ أَنْ يَجْهَلَ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ.
*** وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ الْإِيمَانَ بِهٰذِهِ الأُصُولِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ هٰذِهِ السِّتَّةَ هِيَ أَرْكَانَهُ وَمَبَانِيَهُ.
وَإِعَادَةُ «تُؤْمِنُ» عِنْدَ ذِكْرِ الْقَدَرِ؛ لِلاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ.
وَبِهٰذَا الْحَدِيْثِ احْتَجَّ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَقَالَ فِي الْقَدَرِيَّةِ: (وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ! لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْهُ حَتَّىٰ يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) [2].
وَفِي رِوَايَةٍ[3]: «وَتُؤْمِنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ» [قَالَ:] فَإِذَا فَعَلْتُ ذٰلِكَ؛ فَأَنَا مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
وَهٰذَا دَليلُ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَفَسَّرَهُ بِالْأَعْمَالِ الْبَاطنَةِ.
وَدَلَّ الْحَديثُ عَلَىٰ أَنَّ الإِسْلامَ وَالإِيْمَانَ إذا اقْتَرَنَا: فُسِّرَ الْإِسْلامُ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، والْإِيْمَانُ بِالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 95 و96.
~~~~~~~~~~~~~
للفائدة؛ تُراجع التدوينة المتعلِّقة:

السبت 3 شوال 1434


[1] - الضمير يعود إلىٰ قوله فيما سبق -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَفْظُ "الصَّحِيْحَيْنِ""، والحديث لا يوجد بهٰذا السياق بهٰذه الجُمل مجتمعةً في روايةٍ لا في "الصحيحين" ولا غيرهما، فيبدو أنه -رَحِمَهُ اللهُ- ضمّ زيادات الحديث من رواية أبي هريرة ورواية عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فهو دون جملة الحجّ في "صحيح مسلم" (9) عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ودون وَصْفَي (المكتوبة) (المفروضة) فيه (8) عن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
[2] - هو في "صحيح مسلم" (8) دون جملة (فِي سَبِيلِ اللهِ)، لٰكنها ثابتة بنحوِ هٰذا السياقِ عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وحُذَيْفَةَ وابْنِ مَسْعُودٍ وزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رفعه إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ؛ في حديث ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ؛ قَالَ: (أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْءٌ، فَأُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَنِي بِحَدِيثٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي مَا أَجِدُ. قَالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ السَّمَـٰوَاتِ وَأَهْلَ الأَرْضِ، عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ أُحُدٌ لَكَ ذَهَبًا، فَأَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ لَمْ تُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، مَا تُقُبِّلَ مِنْكَ، وَلَوْ مِتَّ عَلَىٰ غَيْرِ ذٰلِكَ دَخَلْتَ النَّارَ.
وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَلْقَىٰ أَخِي عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَتَسْأَلَهُ.
فَلَقِيَ عَبْدَ اللهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذٰلِكَ.
ثُمَّ لَقِيَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذٰلِكَ.
ثُمَّ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذٰلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
صحَّحه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "ظلال الجنة" (245) و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5/ 567).
[3] - لحديثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِن طريق سليمان التيمي، ينظر "التعليقات الحِسان" (173).