نُبْذة مختصَرة عنِ الإسراءِ والمعراج -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

91- اذكري نُبْذةً مختصرةً عنِ الإسراءِ والمِعْرَاجِ.

البيان
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالَمين؛ نبيِّنا محمّد، وعلىٰ آلِه وصحْبِه أجمعين، أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(أَخَذَ عَلَىٰ هٰذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الْعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ*، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَواتُ الْخَمْسُ**، وَصَلَّىٰ فِي مَكَّةَ ثَلاثَ سِنِينَ***).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوْحِهِ جَمِيْعًا، مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، عَلَى الْبُرَاقِ، إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، يَقَظَةً لَا مَنَامًا، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْه[1]، ثُمَّ صَعَدَ بِهِ جِبْرَائِيْلُ إِلَى السَّمَاءِ عَلَى الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ الْمَصْعَدُ[2] الَّذِي تَصْعَدُ فِيه الْمَلَائِكَةُ، كُلَّمَا مرَّ بِسَمَاءٍ تَلَقَّاهُ مُقَرَّبُوهَا، حَتَّىٰ جَاوَزَهُمْ إِلَىٰ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، فَبَلَغَ مِنَ الِارْتِفَاعِ وَالْعُلُوِّ إِلَىٰ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ، وَدَنَا مِنَ الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ, وَكَلَّمَهُ بِلَا وَاسِطَةٍ، فَأَوْحَىٰ إِلَيه مَا أَوْحَىٰ[3].
** وَكَانَ أَوَّلَ فَرْضِهَا خَمْسِيْنَ صَلَاةً، وَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُوسَىٰ وَرَبِّهِ حَتَّىٰ وَضَعَهَا إِلَىٰ خَمْسٍ، وَقَالَ:
«هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ[4].. الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا[5]».
ثُمَّ هَبَطَ إِلَىٰ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهَبَطَ الْأَنْبِيَاءُ مَعَهُ، وَأَمَّهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ رَكِبَ الْبُراقَ وَرَجَعَ إِلَىٰ مَكَّةَ، وَحَدَّثَهُمْ عَمَّا رَآهُ فِي مَسِيرِهِ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ[6].
*** يَعْنِي: بَعْدَ أَنْ عُرِجَ بِهِ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْهَجْرَةِ، كَمَا هُوَ ظاهِرٌ فِي سِياقِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ الْإِسْرَاءَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيْلَ: سَنَةٍ، وَقِيْلَ: وَنِصْفٍ, وَقِيْلَ: بِخَمْسٍ، فَاللهُ أَعْلَمُ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 111 و112.

~~~ شعرًا ~~~
"مُحَمَّدٌ   الْمَبْعُوْثُ  لِلْخَلْقِ   رَحْمَةً * فَصَلِّ عليهِ مَا حَيِيْتَ مُسَلِّمَا
وأَسْرَىٰ  به  نحْوَ   السَّمَٰواتِ  رَبُّه * وأرْكَبَهُ  ظَهْرَ   البُرَاقِ  وأَكْرَمَا
وَقَدْ   فُتحَتْ    أبْوابُها  لِصُعُودِه * فَمَا زَالَ يَرْقَىٰ مِن سَمَاءٍ إلىٰ سَمَا
إلىٰ أنْ تَرَقَّىٰ  موضعًا  عَزَّ  وضعُه * وما أحدٌ يستطيع  أن يَتكلَّمَا
وَلَاقىٰ بِهَا قَوْمًا مِن  الرُّسْلِ كلُّهمْ * يقولُ له: يَا مَرْحَبًا حِيْنَ سَلَّمَا
وكَانَ  بِهِ  فَرْضُ  الصَّلاةِ  وحَبَّذَا * تَرَدُّدُهُ  بَيْنَ   الكَلِيْـــــمِ  مُكَلِّمَا
وَصَيَّرَهَا مِنْ  بَعْدِ خَمْسِينَ خَمْسَةً * فُرُوْضًا وأمْرُ اللهِ قَدْ كَانَ مُبْرَمَا"[7]

السبت 7 ذي الحجة 1434


[1] - قال تَعَالَىٰ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1).
ذكر الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ- عددًا من الأدلة علىٰ أنّ الإسراء كان بالروح والبدن جميعًا، فقال:
"1 والدليل علىٰ هٰذا قولُه عَزَّ وَجَلَّ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾؛ فالتسبيحُ إنما يكون عند الأمور العظام، ولو كان منامًا؛ لم يكن فيه كبيرُ شيءٍ، ولم يكن مُستعظَمًا، ولَمَا بادَرَتْ كُفَّارُ قريش إلىٰ تكذيبه، ولَمَا ارتَدَّ جماعةٌ ممن كان قد أَسلم.
2 وأيضًا فإنَّ العبدَ عبارةٌ عن مجموعِ الرُّوحِ والجسد، وقد قال عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾، وقد قال تَعَالَىٰ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ (الإسراء: 60)، قال ابن عباس [رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] هي رؤيا عَينٍ أُريها رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ليلةَ أُسريَ به، والشجرةُ الملعونة: شجرةُ الزقوم] رواه البخاري. وقال تَعَالَىٰ: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ﴾ (النجم: 17)، والبَصرُ مِن آلاتِ الذَّاتِ لا الرُّوحِ.
3 وأيضًا فإنه حُمِل على البُراق، وهو دابةٌ بيضاء برَّاقة لها لَمَعان، وإنما يكون هٰذا لِلبَدَنِ لا للرُّوح؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلىٰ مركبٍ تركب عليه، والله أعلم" اﻫ مِن "تفسير القرآن العظيم" (5/ 43 و44، ط2، 1420ﻫ، دار طيبة).
[2] - "والمِعْراجُ والمِعْرَجُ: السُّلَّمُ والْمَصْعَدُ" اﻫ من "القاموس المحيط" (مادة ع ر ج).
[3] - قال ربُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ في (سورة النَّجْم):
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18)﴾.
وجاء في حديث أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «.. ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذٰلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، حَتَّىٰ جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَىٰ، وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّىٰ حَتَّىٰ كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ، فَأَوْحَى اللهُ فِيمَا أَوْحَىٰ إِلَيْهِ: خَمْسِينَ صَلَاةً..» "صحيح البخاري" (349).
[4] - "صحيح البخاري" (349)، "صحيح مسلم" (163).
[5] - في "صحيح البخاري" (7517): «فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ».
[6] - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا! فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ! قَالَ: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ. وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَىٰ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ -يَعْنِي نَفْسَهُ- فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هٰذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ» "صحيح مسلم" (172).
[7] - العلَّامة الأمير الصنعاني رَحِمَهُ اللهُ؛ "ديوانه" (ص 231، ط1، 1384ﻫ، مطبعة المدني - القاهرة).