حُكْمَ تاركِ الهِجرةِ بَعْدَما وَجَبَتْ عليه -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

93- اضبِطي حُكْمَ تاركِ الهِجرةِ بَعْدَما وَجَبَتْ عليه، مع الدليل.

البيان
الحمدُ لله، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ رسولِ الله، وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ والاه. أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَقَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ(1) فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ(2) (العنكبوت: 56).
قَالَ الْبُغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-(3): سَبَبُ نُزُولِ هَـٰذِهِ الآيَةِ: فِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا، نَادَاهُمُ اللهُ بِاسْمِ الإِيمَانِ(4)[1]).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) أَمَرَ -تَعَالَىٰ- عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْهِجْرَةِ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي لَا يَقْدِرُونَ فِيه عَلَىٰ إقامَةِ الدَّيِّنَ إِلَىٰ أَرْضِهِ الْوَاسِعَةِ، وَأَخْبَرَ أَنّ الأَرْضَ غَيْرُ ضَيِّقَةٍ، بَلْ وَاسِعَةٌ تَسَعُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ، فَإذا كَانَ الْإِنْسَانُ فِي أَرْضٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِيهَا؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَسَّعَ لَهُ الْأَرْضَ لِيَعْبُدَهُ فِيهَا كَمَا أُمِرَ، وَكَذَٰلِكَ يَجِبُ عَلَىٰ كُلَّ مَنْ كَانَ بِبَلَدٍ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْمَعَاصِي وَلَا يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُهَا أَنْ يُهَاجِرَ مِنْهَا.
(2) أَيْ: وَحِّدُونِ فِي أَرْضِي الْوَاسِعَةِ الَّتِي خَلَقْتُهَا وَمَا عَلَيهَا لَكُمْ، وَخَلَقْتُكُمْ عَلَيهَا لِعِبَادَتِي، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: (ابْنَ آدم! خَلَقْتُكَ لِأَجْلِي، وَخَلَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ لِأَجْلِكَ)[2].
(3) الْمُلَقَّبُ: مُحْيِي السُّنَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَينُ بْنُ مَسْعُودٍ الْفَرَّاءُ، صَاحِبُ "التَّفْسِيرِ" وَ"شَرْحِ السُّنَّةِ" وَغَيْرِهِمَا، الْمُتَوَفَّىٰ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وخَمْسِمِئَةٍ[3].
(4) حَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِيِّينَ، فَأَفَادَ: أَنَّ تَارِكَ الْهِجْرَةِ بَعْدَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ؛ لَيْسَ بِكَافِرٍ، لَـٰكِنَّهُ عَاصٍ بِتَرْكِهَا، فَهُوَ: مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيْمَانِ، عَاصٍ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِيْنَ الْمُؤْمِنِيْنَ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 115 و116.


حُكمُ مرتكبِ الكبيرةِ مِن الموحِّدين
قال الشيخ العلامة زيد المدخليّ حَفِظَهُ اللهُ:
مُرتكبٌ  كبيرةً  لا يَكفُرُ * بِذا أتى النصُّ الصريحُ الأظهرُ

تحت مـشـيئةٍ لربِّنا العَلي * مَن شَرَّف الرُّسْـــلَ بِوحْيٍ مُنزَلِ

فَمَن يَشأْ ربِّي عذابَه فَعَلْ * ومَن يشـــــــــأ يَرحمْ ويغفرِ الزللْ

فهْو الغفورُ والعفوُّ الأكرمُ * وهْو العزيزُ  والحكيمُ  الأعلمُ
مِن "المنظومات الحِسان" ص 30، ط1، 1433، دار الميراث النبوي).

الخميس 12 ذي الحجة 1434


[1] - لم أجد كلام الإمام البغوي، وقال العلامة العثيمين في هٰذا الموضع مِن "ثلاثة الأصول":
"الظاهر أن الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- نَقَل هٰذا عن البغويِّ بمعناه، هٰذا إنْ كان نَقَله مِن التفسير؛ إذ ليس المذكورُ في "تفسير البغوي" لهٰذه الآية بهٰذا اللفظ" اﻫ مِن "مجموع رسائل فضيلة الشيخ العثيمين" (6/ 131، ط2، 1414ﻫ، دار الثريا).
[2] - لم أعثر عليه مسندًا، وذكره شيخُ الإسلام ابنُ تَيْمِيَةَ بصيغة التمريض فقال في "مجموع الفتاوىٰ" (1/ 23): "وَهَٰذَا مَعْنَىٰ مَا يُرْوَىٰ: (يَا ابْنَ آدَمَ..)" اﻫ. وساقه الحافظُ ابن رجب في "مجموع رسائله" (2/ 749) علىٰ أنه خبرٌ إسرائيليّ.
[3] - في الأصل: (سَنَةَ خَمْسِمِئَةٍ وَسِتَّةَ عَشْرَ سَنَة).