أدلةٌ من السُّنَّة علىٰ وجوب الهجرةِ مِن بلدِ الكفر -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

94- اذكري أدلةً من السُّنَّة علىٰ وجوب الهجرةِ مِن بلدِ الكفرِ، واجمعي بينها وبين الحديثِ المشهور: 
«لا هجرةَ بَعدَ الفتح».

البيان
الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ إِلىٰ يومِ الدِّينِ. أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَالدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ(1): قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 
«لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّىٰ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ(2)، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّىٰ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا(3)»[1]).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) أَي: عَلَىٰ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَىٰ بَلَدِ الْإِسْلَامِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهَا.
(2) أَي: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَىٰ بَلَدِ الْإِسْلَامِ حَتَّىٰ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ. أَي: حَتَّىٰ لَا تُقْبَلَ التَّوْبَةُ مِمَّنْ تَابَ، فَدَلَّ الْحَديثُ عَلَىٰ أَنَّ التَّوْبَةَ مَا دَامَتْ مَقْبُولَةً فَالْهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ بِحالِهَا.
وَأَمَّا حَديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَـٰكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ»[2]، فَالْمُرَادُ: 
لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، حَيْثُ كَانَتْ مَكَّةُ بَعْدَ فَتْحِهَا بَلَدَ إِسْلَامٍ، فَإِنَّ أُنَاسًا أَرَادُوا أَنْ يُهَاجِرُوا مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ مُرَغَّبٌ فِيْهَا، فَبَيَّنَ لَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا حَثَّ عَلَيهَا لَمَّا كَانَتْ مَكَّةُ بَلَدَ كُفْرٍ، أَمَا وَقَدْ كَانَتْ بَلَدَ إِسْلَامٍ؛ فَلَا، فَالْمَعْنىٰ: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْهِجْرَةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَىٰ بَلَدِ الْإِسْلَامِ وَبَقَاؤُها؛ فَمَعْلُومٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
(3) فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا؛ فَهُوَ أَوَانُ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهِي أَقْرَبُ عَلَامَاتِهَا، وَإذَا طَلَعَتْ لَمْ تُقْبَلِ التَّوْبَةُ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا (الأنعام: مِن الآية 158)، وَجَاءَ فِي ذٰلِكَ أَحَادِيْثُ كَثِيرَةٌ، وَهَـٰذَا يُفَسَّرُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، فَدَلَّ عَلَىٰ أَنَّهَا تُقْبَلُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَمَا دَامَتْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ، وَفِي الْحَديثِ[3]:
«أَنَا بَرِيءَ مِنْ مُسْلِمٍ بَاتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِيْنَ»، وَقَالَ: «لَا تَرَايَا[4] نَارُهُمَا[5]». وَقَالَ:
«الْهِجْرَةُ بَاقِيَةٌ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ»[6]، وَقَالَ:
(لَا يَسْلَمُ لِذِي دِينٍ دِينُهُ إلَّا مَنْ فَرَّ مِنْ شَاهِقٍ إِلَىٰ شَاهِقٍ)[7]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 116 و117.

~~~ شِعرًا ~~~
قال العلّامة الشيخ سليمان بن سحمان رَحِمَهُ اللهُ:
"وَإِنَّ الْهِـــــــجْرَةَ الْمُثْـــــــــــــلَىٰ لَفَرْضٌ * عَلَىٰ ذِي قُــــدْرَةٍ بِالِانْتِقَــــــــــــــــــــــــــــالِ
وَلَمْ تُنْسَخْ بِحُـــــــكْمِ الفَتْــــحِ بَلْ ذَا * بِذَاكَ الوَقْتِ والإِسْــــــــــــــــــلامُ عَالِ
فَإِنْ عَادَتْ وَصَـــــــارَتْ دَارَ كُفْرٍ * فَهَـــــــــــــــــــــــــاجِرْ لا تُطفِّفْ بِاعْتِزَالِ
لأَنَّ الْمُصْطَفَىٰ قَــــــدْ قَـالَ مَا قَدْ * رَوَى الأثْبَاتُ مِنْ أَهْلِ الكَمَالِ
بِذكْرٍ بِالْبَــــــــــــــــــــــــــــــــرَاءَةِ مِنْ مُـــــــقِيمٍ * بِدَارِ الْكُـــــفْرِ بَيْنَ ذَوِي الضَّلالِ
وَذَا مِنْ مُسْــــــــــــــــلِمٍ إِذْ جَاءَ ذَنْبٌ * كَبِيرٌ بِالإِقَــــــــــــــــــــــــــــــــامَةِ لا يُبَـــــــــــالِي
رَوَىٰ ذَا التِّرْمِذِيُّ كَذَاكَ جَاءَتْ * بِهِ الآيَـــــــــــــاتُ وَاضِـــــــــــحَةٌ لِتَالِ"[8]

الجمعة 13 ذي الحجة 1434


[1] - صححه الوالد رَحِمَهُ اللهُ؛ "إرواء الغليل" (1208).
[2] - متفق عليه؛ "صحيح البخاري" (2783)، "صحيح مسلم" (1864).
[3] - رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، ولفظه: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ؟ قَالَ: «لَا تَرَاءَىٰ نَارَاهُمَا». وصحَّحه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "صحيح سنن أبي داود" (2377)، "الإرواء" (1207).
[4] - في الأصل: (ترائا)، وأثبتُّها كما هي في "السنن الكبرىٰ" للبيهقيّ (16/ 469، ط دار هجر). وهي في سنن أبي داود والترمذي وغيرها: (تراءىٰ)، كما سبق.
[5] - وجدتها بالتثنية «ناراهما» في جميع ما وقفتُ عليه من مصادر، فالله أعلم.
[6] - لم أجده بهٰذا الصدر، ولٰكنْ جاء بمعناه بألفاظٍ متعددة، أقربُها روايةُ الإمام أحمد (5/ 270): «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ»؛ يُنظر تحقيق الوالد لحديث: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا كَانَ الْجِهَادُ» في "الصحيحة" (4/ 239 - 241/ 1674).
[7] - ضعَّفه أبي -رَحِمَهُ اللهُ- وقال: منكر؛ "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (3270)، وينظر "ضعيف الترغيب" (1637).
[8] - "ديوان عقود الجواهر المنضدة الحِسان" (164 و165، منشورات مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية).