عمومُ رسالةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

97- بيِّني مِن "ثلاثة الأصول" عمومَ رسالةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مع الأدلة.

البيان
الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمةً لِلْعالَمِين، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ إِلىٰ يومِ الدِّينِ. أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(بَعَثَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً(1)، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَىٰ جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ(2)؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا(3) (الأعراف: مِن الآية 158) ).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
(1) يَعْنِي: بَعْثَ اللهُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَىٰ كَافَّةِ النَّاسِ، عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ، حُرِّهِمْ وَعَبْدِهِمْ، أَحْمَرِهِمْ وَأَسْوَدِهِمْ، وَلَا نِزَاعَ فِي ذَٰلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
(2) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقُرِنَ بِطَاعَتِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ.
(3) وَهَٰذَا عُمُومٌ ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ بَعْثِهِ إِلَى النَّاسِ جَمِيْعًا؛ عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، و﴿جَمِيعًا تَأْكِيْدُ بَعْثِهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشيرًا وَنَذِيرًا (سبأ: مِن الآية 28)، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (الْفُرْقان: 56)، ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ (الْفَتْح: مِن الآية 29)، وَسُوْرَةُ الرَّحْمَٰنِ، وَسُوْرَةُ الْجِنِّ، وَغَيْرُهُمَا؛ دَالَّةٌ أَوْضَحَ دَلَالَةٍ عَلَىٰ شُمُولِ رِسَالَتِهِ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَقَالَ:
«إِنَّ الرُّسُلَ قَبْلِي يُبْعَثُونَ إِلَىٰ قَوْمِهِمْ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»[1].
وَهَٰذَا مِنْ شَرَفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّه خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ إِلَى الثَّقَلَينِ كُلِّهِمْ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَهُوَ مُقْتَضَىٰ رِسَالَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَمْتَرِي فِي ذَٰلِكَ إلَّا مُكَابِرٌ مُعَانِدٌ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 120 و121.


قال الشيخ العلامة عبيد الجابري -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ- في آية الأعراف: 
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا:
"قد يقول قائل: ما وَجْهُ دخولِ الجِنِّ في هٰذه الآية؟
هٰذا ما يحتاج إلىٰ بيان؛ وذٰلك أنَّ الجنَّ مِن الناس؛ بِدلالة اللغةِ والشرع:
فمِن جهة اللغة[2]: لفظُ (الناس) مِن النَّوْس وهو كثرةُ الحركة.
ومِن جهة الشرع: حديثُ ابنِ مسعود: (كان ناس مِن الإنس يَعبدون ناسًا مِن الجن) الحديث[3]" اﻫ مِن "إتحاف العقول بشرح الثلاثة الأصول" (ص 144 وذكره قبلُ ص 60 و61، ط1، 1426ﻫ، دار المدينة النبوية).

السبت 21 ذي الحجة 1434


[1] - متفق عليه مِن حديث جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ولفظه في "صحيح البخاري" (438): «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»، وفي "صحيح مسلم" (521): «كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَىٰ كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ».
[2] - يُنظر "صحاح" الجوهري، مادة (ن و س).
[3] - في "صحيح البخاري" (4715): عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي هَٰذِهِ الآيَةِ: ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ (الإسراء: من الآية 57)، قَالَ: (كَانَ نَاسٌ مِنَ الجِنِّ يُعْبَدُونَ، فَأَسْلَمُوا).