نَشهَد أنه عليه الصَّلاة والسَّلام بلَّغ وأدَّىٰ ونَصَح -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

96- وضِّحي مِن
"ثلاثة الأصول"
أنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
بلَّغ وأدَّىٰ ونَصَحَ[1]

البيان
الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ إِلىٰ يومِ الدِّينِ. أمّا بعد:
فقد قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَبَعْدَهَا تُوُفِّيَ صَلواتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ(1)، وَدِينُهُ بَاقٍ(2). وَهَٰذَا دِينُهُ(3)، لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ(4)، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَهَا مِنْهُ(5).
وَالْخَيْرُ الَّذِي دَلَّهَا عَلَيْهِ: التَّوْحِيدُ(6)، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ(7).
وَالشَّرُ الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ: الشِّرْكُ(8)، وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ(9)).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) بَعْدَمَا أَكْمَلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، وَبَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: "مَا تُوُفِّي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ إلَّا ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا".
(2) مَوْجُودٌ, وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، مُؤَيَّدٌ مَحْفُوظٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَافٍ لَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّتِي»[2].
(3) الَّذِي تَرَكَ أُمَّتَهُ عَلَيْهِ، وَتَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِهِ، فَتَوَارَثَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، قَالَ السَّلَفُ:
هَٰذَا عَهْدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، وَنَحْنُ عَهِدْنَاهُ إِلَيْكُمْ، وَهَٰذِهِ وَصِيَّةُ رَبِّنَا وَفَرْضُهُ عَلَيْنَا، وَهِيَ وَصِيَّتُهُ وَفَرْضُهُ عَلَيْكُمْ.
فَجَرَى الْخَلَفُ عَلَىٰ مِنْهَاجِ السَّلَفِ، وَاقْتَفَوْا آثَارَهُمْ، وَلَا يَزَالُونَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(4) كَمَا تَقَدَّمَ[3] فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (التوبة: مِن الآية 128)، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، كَمَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنصَحَ الْأُمَّةَ.
(5) خَوْفًا عَلَىٰ أُمَّتِهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَهَالِكِ، وَقَدْ بَلَّغَ الدِّيْنَ كُلَّهُ، وَبَيَّنَه جَمِيعَهُ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ عَزِّ وَجَلَّ. وَفِي الْحَديثِ الشَّرِيفِ:
«مَا بُعِثَ مِنْ نَبِيٍّ إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَىٰ خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُحَذِّرَهُمْ مِنْ شَرِّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ»[4].
(6) فَهُوَ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ، وَأَعْظَمُهُ، وَأَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ، ولِأَجْلِهِ أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ.
(7) مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْباطِنَةِ.
(8) فَهُوَ أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَعْظَمُهُ، وَأَوَّلُ مَا أُمِرَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْذَارُ عَنْهُ؛ قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) (الْمُدَّثِّر)، أَي: عَنِ الشِّرْكِ. وَكَذَا كُلُّ رَسُولٍ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ عَنِ الشِّرْكِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ.
(9) أَي: يَمْنَعُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص118 - 120.


تأصيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا. قَالَ: 
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ».
رواه الحافظ الطبراني، وصحَّحه أبي رَحِمَهُما اللهُ؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1803).

الثلاثاء 17 ذي الحجة 1434


[1] - جاء في حديث جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في حَجَّةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ أنه في آخر خُطبتِه قال: «وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: "نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ". "صحيح مسلم" (1218).
[2] - رواه الإمام مالك بلاغًا، والحاكم موصولًا بلفظ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وحسّنه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "التوسل" (ص16، ط1 للطبعة الشرعية الوحيدة، 1421ﻫ، مكتبة المعارف - الرياض).
[4] - "صحيح مسلم" (1844) بلفظ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَىٰ خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ».