متىٰ أُمر عليه الصلاة والسلام ببقية الشرائع بعد التوحيد والصلاة؟ وكم بقي يدعو إليها؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

95- متىٰ أُمر النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببقية الشرائع بعد التوحيد والصلاة؟
وكم بقي يدعو إليها؟
وتكلمي بإيجاز عن أهمية شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

البيان
الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ إِلىٰ يومِ الدِّينِ. أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ(1)، مِثلِ: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ(2)، وَغَيْرِ ذَٰلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلامِ(3)، أَخَذَ عَلَىٰ هَٰذَا عَشْرَ سِنِينَ(4)، وَبَعْدَهَا تُوُفِّيَ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ[1]، وَدِينُهُ بَاقٍ).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) أَي: لَمَّا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاسْتَقَرَّ بِهَا وَفَشَا التَّوْحِيدُ وَدَانَ بِهِ أُولَـٰئِكَ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ؛ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَعَبَّدَ اللهُ خَلْقَهُ بِهَا، إِذْ عَامَّةُ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ.
 (2) قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ (الأعراف: مِنَ الآية 157), وَهَٰذِهِ صِفَتُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
والْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكِرِ عَامٌّ وَفَرْضٌ عَلَىٰ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ؛ قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿كُنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (آل عمران: مِن الآية 110). وَقَالَ:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (آل عمران: مِن الآية 104).
وأَعْلَاهُ: بِالْيَدِ.
فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ: فَبِلِسَانِهِ.
فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ: فَبِقَلْبِهِ، وَذَٰلِكَ أَضْعَفُ الْإِيْمَانِ[2].
وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ أَعَظْمِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَأَعْظَمُهُ: الْجِهَادُ الَّذِي هُوَ ذِرْوَةُ الْإِسْلَامِ.
وَأُمِرَ بِهِ هُوَ والزَّكاَةُ وَالصَّوْمُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَسَنَةَ تِسْعٍ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
(3) كَبِرِّ الْوَالِدَينِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، وَسَائِرِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ شَرِيعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(4) كُلُّهَا تُوحَىٰ إِلَيْهِ فِيهَا الشَّرَائِعُ؛ أَرْكَانُهَا وَوَاجِبَاتُهَا وَمُسْتَحَبَّاتُهَا، وَمَا يُنَافِي ذَٰلِكَ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 117 و118.

الأحد 15 ذي الحجة 1434


[1] - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (أُنْزِلَ عَلَىٰ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ فَهَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ، فَمَكَثَ بِهَا: عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "صحيح البخاري" (3851).
[2] - قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَىٰ مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَٰلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» "صحيح مسلم" (49).
قال الحافظ النووي رَحِمَهُ اللهُ: "وَأَمَّا صِفَةُ النَّهْيِ وَمَرَاتِبُه: فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَٰذَا الْحَدِيث الصَّحِيح: «فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ»، فَقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَبِقَلْبِهِ» مَعْنَاهُ: فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ. وَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِإِزَالَةٍ وَتَغْيِيرٍ مِنْهُ لِلْمُنْكَرِ، وَلَٰكِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي وُسْعِهِ" اﻫ مِن "شرح صحيح مسلم" (ص 125، ط بيت الأفكار).